أين دور الصليب الأحمر في حماية أطفال فلسطين؟!
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
تتزايد حوادث قتل الأطفال الفلسطينيين بدم بارد على يد قوات الجيش الإسرائيلي وأذرعه الأمنية، وتنسب إليهم أفعال ويوصفون ظلما وعدوانا بالمخربين والإرهابيين، بينما هم أطفال في عمر الورود لم يتجاوزوا السادسة عشر من أعمارهم الطرية. ويخرج رجال الأمن والسياسة الإسرائيليين بمنح اوسمة الشجاعة وكيل المديح والإطراء لمنفذي أعمال قتل الأطفال الأبرياء وكأن هناك نهجا مرسوما للقيام بذلك. وتقوم التلفزة الإسرائيلية بتجاهل صفتهم كاطفال وتركز وتشيع صفتهم الإجرامية المزعومة بتكرار مقصود ممنهج. وتتابع وسائل التواصل الإجتماعي التحريض على الأطفال الفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني بطريقة حاقدة ليس فيها عنصر خير. ويلتزم الصليب الأحمر الدولي صمته المعهود ولا ينبس ببنت شفة.
مهمة لجنة الصليب الأحمر الدولي الحماية الإنسانية للفرد ممن وقع ضحية الحرب والعدوان، بغض النظر عن دينه وجنسه ولونه ومعتقده ورايه وأصله الإجتماعي وإثنيته وعرقه، بل هذا هو الهدف الأساسي لوجوده سواء في أفريقيا أو في ألأمريكيتين أو في آسيا أو في استراليا. ويتأكد هذا الواجب الملقى على عاتق الصليب الأحمر الدولي بقراءة متأنية لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي أوكلت إليه واجب الدولة الحامية حينما لا يتفق عليها من قبل المتنازعين.
مهمة حماية المدنيين المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني ملقاة على الجيش الإسرائيلي المحتل وأذرعه الأمنية، يقابله رقابة فعالة من قبل الصليب الأحمر الدولي واجبة والتزام ملقى على عاتقه كفريق يمثل الدولة الحامية. وتشتد هذه الحماية درجة أكبر وأخطر تجاه الأطفال والنساء نظرا لضعفهم في مواجهة جيش مسلح بكل صنوف السلاح القاتل.
ويعتد في تحديد فئة الشخص بالمواثيق الدولية وبخاصة ميثاق الطفل لعام 1989 التي انضمت إليه إسرائيل والذي حددها بسن الثمانية عشر عاما. ولا يعتد باي تصنيف آخر محلي أو أجنبي، فللميثاق صفة السمو على غيره من القوانين المحلية.
للأسف الشديد لم أسمع صوتا أو احتجاجا أو تذمرا أو قولا للصليب الأحمر الدولي بعد أحداث قتل الأطفال الفلسطينيين بدم بارد بل وهم ملقون على الأرض بدون سلاح. وكأن لجنة الصليب الأحمر الدولي تخلت عن التزامها ولم تعد تقوم به. تماما كما نسيت ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة في المادة 76بأن تكون السجون الإسرائيلية للمقاومين الفلسطينيين ،واقعة في الأرض الفلسطينية المحتلة. لكنها قبلت تواجدها داخل الخط الأخضر، وكبدت اهالي المعتقلين مشاق السفر لداخل الخط الأخضر والإغلاقات. تماما كما أسقطت احتجاجها ضد السلطة الإسرائيلية المحتلة في موضوع الإعتقال الإداري الذي يخرق المادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة. وكأنها اعتمدت عن ذلك من خلال إضرابات الأمعاء الخاوية البطولية للأسرى. تماما حين لم نسمع منها كلمة واحدة احتجاجا على المحاكمة الجنائية للأسرى الستة الهاربين من السجون الإسرائيلية قبل وقت ليس ببعيد، بدل أن تكون محاكمتهم فقط تأديبية عملا بالمادة 120 من اتفاقية جنيف الرابعة.
ويبدو أن الصليب الأحمرنتيجة للضعف الفلسطيني والعربي والإسلامي، أخذ يكيل بمكيالين وفي نفس الوقت يدعي الحيادية والنزاهة في عمله الإنساني في الأراضي المحتلة. فها هو السيد جاك دي مايو رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولية في إسرائيل في نهاية العام المنصرم يصرح لصحيفة يوديعوت أحرونوت الإسرائيلية بحديث نادر بمناسبة قيام الدولة الإسرائيلية. وقد بين فيه موقف الصليب الأحمر من قضايا كثيرة أبرزها أن إسرائيل ليست دولة تمييز عنصري مثل جنوب أفريقيا، وأنها لا تطبق سياسة التصفيات الجسدية، وأن قواتها تلتزم بتعليمات إطلاق النار وبشكل ملتزم، وأن الحوادث هي فردية، وأن التنسيق والتفاهم بين الجيش الإسرائيلي وأفراد الصليب الأحمر متصل وعلى مستوى عال، ولم يؤيد او يرفض إضراب الحركة الأسيرة عن الطعام. ولم ينس ممثل الصليب الأحمر الدولي أن يقرر أن هناك احتلال في الضفة الغربية ولكنه بنفاق شديد اشار إلى أن الوضع أفضل من السودان والصومال واليمن.
ألم يزر الصليب الأحمر الدولي مستوطنة جيلو في القدس الغربية وشكل خرقا للقانون الدولي الإنساني. ماذا يصنع الصليب الأحمر للأطفال الفلسطينيين ساعة محاكماتهم غير الشرعية وعبر تلفيق تهم لهم وعبر رصدهم والإيقاع بهم وكيفية التحقيق معهم. ولن اتساءل في جميع الواجبات الملقاة على عاتقه في حالة النزاع المسلح عملا بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. دعونا نسال الصليب الأحمر الدولي كيف ينسق مع جيش الإحتلال في الغرف المغلقة بحسب أقوالهم ويتبادلون الحديث المترفة. كيف يحضرممثلو الصليب الأحمر الدولي مؤتمرات هرتسليا المتتالية الأمنية لمزاعم تقليل الخسائر في المدنيين اثناء الحرب في المدن، ولماذا لا تعقد مشاورات مع الجانب الفلسطيني في ذات الصدد؟ أين موقف اللجنة الدولية من جثامين المقاومين الفلسطينيين واحتجازهم إلى ما شاء الله؟ أين موقفهم من العقوبات الجماعية المفروضة على الفلسطينيين؟ اين موقفهم من التصفيات الجسدية التي تتم في أرجاء الأرض المحتلة؟ أين موقفهم من مواطني شرقي القدس وحاجاتهم الإنسانية والأمنية والمعيشية التي وعدوا بها مرارا وتكرارا ؟ هل تناست اللجنة حياديتها ونزاهتها وموضوعيتها في النزاع المسلح أم أن الوضع مختلف مع الجيش الإسرائيلي. وهل لجنة الصليب الأحمر الدولي تخشى على نفسها من الطرد من قبل الإحتلال الإسرائيلي كما حصل لها في إيران يوما ما؟
لم هذا الصمت المريب للصليب الأحمر الدولي، اوليس عملا بحقوق الإنسان، أن يدعو الصليب الأحمر الجيش الإسرائيلي باتباع دليل الشرطة الأممي لإنفاذ القانون واستعمال القوة المسلحة لعام 1997. وان لا يستعمل القوة النارية إلا في حالة دفع خطر محدق وأن تمتنع عن استخدام الأسلحة النارية فور وجود بديل لها. وأن تدعو لعقد الدورات وتقديم الإرشادات ورجال الأجهزة الأمنية وتدريبهم على استبعاد القوة النارية المسلحة تجاه الأطفال فحق الحياة مقدس وله الأولوية. لكن يبدو ان الصليب الأحمر الدولي يتوجه بهذه الوسائل لقوات الأمن الفلسطينية ولكنها لا تجرؤ على طلبها من القوات الأمنية الفلسطينية. بل لا يستطيع الصليب الأحمر الدولي إصدار بيان في هذه الأحداث الدموية، ويكتفى بالبيان الإسرائيلي المتحيز ويصبح هذا البيان عنوان الحقيقة المشوهة. ففي الحادث الأخير الذي وقع بباب العمود في القدس، أخضع شرطيا حرس الحدود في القدس للتحقيق، فقط من أجل إعلام المحكمة الجنائية الدولية أن الحدث قد تم التحقيق فيهن بينما كانت تنهال الأوسمة وكلمات الثناء على الفاعلين.
نجل ونحترم الهيئة الدولية للصليب الأحمر بل ونشكرها على ما تقوم به من مهام ، رغم أن ذلك من صميم عملها، ووظيفتها التي قامت من أجله. لكن مواقف الترضية والمجاملة والصمت لممارسات الجيش الإسرائيلي وأذرعه الأمنية غير الشرعية من قبل اللجنة غير مقبول، بل مرفوضة فهي لا تحقق الإنسانية المطلوبة ولا تحافظ على الحق في الحياة ولا نقبل أقل مما نادى به القانون الدولي الإنساني، فحيثما تكون الجهالة نعيما من الحماقة أن تكون حكيما!