رسائل إلى السيدة «ع» (6)

بسام الشاعر | مصر

الفاضلة «ع».

كنتُ أعلم أن تلك الأسابيع الخرساء التي مرَّت ولم يُكتبُ لأحدنا فيها كلام؛ ما كان لها أن تنقضي إلا ويكون مع انقضائها تَفتحُ زهر نفسي ونفسك، كالشتاء تظلُّ فيه الوردات في أكمامها مختبئة نائمة؛ حتى إذا آنَ للرياض أن تبتسم؛ أيقظتْ كلُّ وردة أختها في هدوء دون أن يشعر بهم أحد؛ لتتفتح نضِرة غضة وهي تضحك للدنيا بحسن هو الطبيعة مجموعة في صورة وردة.

وكما أن في الطبيعة فصولًا تدور بها الأيام دورتَها حتى تصلَ بها لفَصلٍ منه يَتجدَّدُ الوجودُ ويرجع فيه عوده على بدئه؛ فإن للنفس المؤمنة ربيعها الذي تُزهرُ فيه معاني الإيمان واليقين ليَفْغَمَ شذاها الإنسانية في صورتها الحية؛ إنه العيد قد أقبل يا «ع» وأقبلتْ معه بهجةٌ كتلك التي ترتسم على وجهكِ متى غرَّدتْ طيور الفرح في قلبك! إنه اليوم الذي تنخلع فيه النفس الإنسانية من أرسانها القاعدة بها عن سعادتها وبهجتها لتجعلها في جو من السماء حرَّة فرِحَة، إنه اليوم الذي تجتمع فيه سعادات الناس بعضها إلى بعض جاعلة من حولهم سعادة جمعية تشملهم ولو ليوم واحد فقط؛ سعادة تُحيطُ غنيهم وفقيرهم، سعيدهم وشقيهم، كبيرهم وصغيرهم.. لتقيمهم وتهزأ بتلك الأنفس المقبورة في كبرها، وتقول بلسان حال الجميع؛ ذاك التفاوت الأرضي الذي جعلتموه بينكم ليس من معانيكم اليوم في شيء، فقد خرجت أنفسكم من الزمن الذي تُقيمونه إلى الزمن الذي يقيمكم! وهذه حكمة عظيمة من حكم هذا الدين. إنه اليوم الذي يلتقي فيه الناس وقد غسلوا قلوبهم، لتخفق النفوس وقد تساقط عنها ما علق بها وصارت مرآة صافية لترد التحايا مشفوعة بــ «وأنتم بخير!» إذ ما أعذبها من كلمة! وما أحلاها من أمنية يا «ع»!!

إن أردتِ معرفة متى يأتي العيد يا «ع» ومتى يرتحل؛ فانظري في قلوب الأطفال، فعندهم وحدهم تجدين المعنى الحقيقي للعيد؛ فكأن الزمن يدَّخرُ في كل يوم بعض البهجة الزائدة عن أنفسهم، حتى إذا أتى يوم العيد؛ نُثِرَتْ هذه البهجة على قلوب الناس فوسعتهم. فما تجدين أثرها الحق إلا في قلب طفل يلهو ويضحك؛ لأن سرها الأزلي يسكن قلبَه هو وحده!

لا أخفيكِ يا «ع»؛ ففي العيد تكون قلوبنا ضعيفة هَشَّةً أمام ذكرى من نحب ومن نعرف، فلا يزال حنين الروح إلى الروح ينادي ويهمس؛ عَلَّهُ يجد مسيس رحمة يهدأ لها ذاك القلب المسكين. تذكري أقاربكِ ومن تحبين، واجعلي ذكركِ لهم مشفوعًا برحمة من رحمتك وحبًّا من حبك! هنيئا لكِ العيد، وجعل الله كل أيامَكِ كلها عيدًا وإن كانت على الحقيقة كذلك؛ ألستِ أنتِ سعادة العيد وفرحته وطيب أمانيه؛ بل وحتى حَلْيَهُ وحلواه! نعم أنتِ كلَّ هذا وزيادة يا صغيرتي!

وقبل أن أضع القلم؛ إليكِ طرفة العيد، فلتضحكي معي.. كنتُ أقرأ قصة لمستجاب( ) عنوانها (امرأة) ومستجاب صاحب قلم ساخر يقوم على نقد الظواهر الاجتماعية بطريقته الخاصة، وكان أحد أبطال هذه القصة مجرم يمتهن القتل ويحترفه يقال له (ع) هو الآخر -فانظري لصدف الحوادث في الكتب وإن كان ثمة مفارقة- ومع احترافه القتل وتمكنه من الغيلة؛ إلا إنه مات مقتولًا في نهاية القصة؛ قتلة مضحكة فكهة، فاسمعي مستجاب وهو يحكي بعض مفاخر (ع) قاتل القرية المعروف؛ لتعلمي أيتها الشريرة الصغيرة كيف يصنع شرُّك بمن وقع عليه اسمك، وبمن اتصل بشيء من أسبابك، يقول مستجاب:

«وكان العظيم (ع) أقوى واحد في ذلك العهد بعد أن تفاخرتْ به قريتُنا لعملياته الخمس الشهيرة؛ اغتال تاجرًا من بحري لحساب امرأة كفيفة ظلمها المقتول في ثمن كيلة حبوب. وطعن بالحربة كاتب عزبة مجاورة لحساب كاتب العزبة السابق. وقطع رقبة فارس تعود أن يمشي في الأرض مرحًا دون أن يقول للناس السلام عليكم. وعلَّق صاحب فرن في واجهة باب الفرن من قدميه، ولم يتجرَّأ أحدٌ أن يفكَّ وثاقه حتى مات، ثم كانتِ العملية الخامسة والتي قَتَلَ فيها صياد السمك، ووضعه مع عياله في القارب وأطلق القارب في مياه بحر يوسف مشتعلًا بالنار».

أما تجدين ذلك طريفًا أيتها الشريرة الصغيرة! لا أخفيكِ، أجدُ بينكما مشابه كثيرة، فكلاكما قاتلٌ مُتحيِّز للقتل محترفه، وكلاكما اجتمع على اسم واحد، وهذا يكفي جدًّا لإثبات الإدانة كما هو متعارف عليه في القانون الجنائي، مع فارق طفيف؛ أنك تقتلين عن غير عَمْدٍ، أمَّا هو فقَتْلُهُ أم العمد وأبوه وجده، أنتِ رحمة نائمة يا «ع»، وهو شرٌّ يسعى! وهذا يمكِّن أصغر محامٍ لأن يجعل منه أكبر دليل براءة في تاريخ العدالة.

كل عام وصغيرتي الحلوة بخير! وكل عام صغيرتي الحلوة عيدُها أجمل.

كوني بخير من أجلي يا «ع».. والله يحفظك، والله يجعل الفرح في قلبك والبسمة على شفتيك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى