مصطفى مرار… قصص ثوّار ونساء في الحقول

سهيل كيوان | فلسطين

رحل هذا الأسبوع الكاتب مصطفى مرار، تاركا وراءه إرثا كبيرًا من القصص للكبار والصغار. أما سيرته الذاتية فقد كتبها في مؤلف من 960 صفحة.

مصطفى مرار من مواليد عام 1929 في قرية جلجولية في المثلث الجنوبي، يتذكر في سيرته الذاتية شيئًا من ملامح ثورة الستة وثلاثين التي خبَت عام تسعة وثلاثين، يتذكر أحدهم يحمل البندقية في مدينة قلقيلية، هذا الوجه نفسه يلتقيه بعد حرب حزيران/ يونيو عام 1967، يراه يعمل في تزفيت الشارع بجانب بيته في جلجولية، عندما يخرج أبو نزار لتقديم الضيافة للعمال في الشارع. كان هذا المجاهد قد أهداه كتابًا للمطالعة عندما كان مصطفى يتعلم في مدرسة قلقيلية للبنين، يحاول تذكير الرجل ويسأله هل أنت “ذيب السَّعسع” كنت مع المجاهدين؟ فينكر الرجل أنه هو نفس الشخص الذي كان مع المجاهدين، كما يبدو خوفًا من عقاب قد يلحق به من الإسرائيليين، ولكن عندما يطمئن لأبي نزار تسيل الدموع على وجنتيه ويعترف أنه هو ذيب السَّعسع نفسه، متذكرًا يوم كان مجاهدًا في الثورة التي أُجهضت، ليعود ويعمل في تعبيد الشوارع عند المقاولين اليهود.

في هذا الكتاب جمع الكاتب سيرته الذاتية، منذ كان طفلا يراقب الشبان والشّابات من اليهود الذين كانوا يمرُّون في القرى العربية وهم ينشدون “لاي لاي لاي”، و”’زو أرتسينو’ – (هذه بلادنا)” ويعدّون العدة للحرب وإقامة دولة إسرائيل، وفي مشاهد وصور من ذاكرته يسرد قصصًا عن ثوار الستة وثلاثين وعن النكبة، وعلاقة العرب باليهود قبل قيام إسرائيل وبعدها.

مصطفى مرار تربى، بخلاف أشقّائه، عند أخواله في قرية كفر جَمّال، ولهذا السّبب كان الجميع في كفر جمال يدعونه ابن صبحة الرضوان ابنة بلدهم، أما في جلجولية فهو ابن الحرّاث شحادة مرار.

عمل مصطفى في معسكرات الجيش البريطاني، وتعلم حتى الصف السابع في مدرسة قلقيلية الأميرية للبنين، ولكنه كان قارئًا لكل ما يقع بين يديه من كتب، ثم التحق بدورة لتأهيل المعلمين، وتقدَّم للامتحانات في مدينة يافا ونجح، وقُبل ليعمل مُدرسًا، ثم واصل دراسته أثناء عمله، وحصل على اللقب الجامعي الأول في اللغة العربية والعلوم السياسية، وخلال هذا بدأ بنشر قصصه القصيرة حتى خرج إلى التقاعد المبكر عام 1982، ليتفرَّغ لكتابة الأدب.

التجربة التي مر بها الطفل مصطفى في عمل البيارات وتحصيل الرزق، ومغامراته في سنّ المراهقة وعلاقة الناس بعضهم ببعض في القرية وفي الحقل ومع اليهود كانت البئر الغزيرة التي نشل منها قصصه، فقد رصد كل ما يدور حوله بعينيّ طفل، ثم بعيني مراهق ثم شاب ثم رجل.

رصد الحياة بتفاصيلها الصغيرة، تشعر بدهشة الطفل عندما يدخل غرفة محرك ضخّ المياه في البيارة لريّ الحمضيات. يدخل خلسة ليراقب المحرِّك وعمله وقطعه، فيخرج إليه الرجل الذي يشغّله من المخزن، ويبدو أنه كان يفعل شيئا ما، مع امرأة، كان زوجها يبحث عنها وبيده خنجر.

رصد مرار طرق تسرُّب الأرض من الفلاحين العرب إلى اليهود، وإحداها بواسطة رجل كانوا يسمّونه الألماني، الذي كان يدهشهم بكل ما يحضره إلى البيارة من معدات حديثة لا يعرف الفلاحون العرب عنها شيئًا، فيكون منتوجه أفضل وأكثر، حتى أن بعضهم باع أرضه البخيلة التي لا تنتج عُشر ما تنتجه أرض الألمانيّ!

تداخُل السياسة بالعيش وصراع البقاء، وقصص الحب الصغيرة والنَوَر الذين يرقصون على طرف البلدة، والفتاة النورية التي ترقص فيحبُّها، ويحاول بعضهم اختطافها واغتصابها فيستغيث مصطفى بأحد الثوار الذي يملك بندقية فيطلق الرصاص باتجاه الوحوش المغتصبين فينقذها، وقصص النساء في الحقول وغيرها الكثير، نجدها في تفاصيل غاية في البساطة والجمال.

يخصِّص الكاتب عددًا كبيرًا من صفحات الكتاب كتوثيق لعلاقاته مع الناس من مثقفين ورجال مجتمع ورفاق عمل وأقارب في بلده وفي القرى المجاورة، ومع مثقفين من شتى أنحاء البلاد.

يعتبر مصطفى مرار من أغزر الكتاب العرب المعاصرين، ومعظم قصصه للفتيان والأطفال، وله خمس عشرة مجموعة قصصية للكبار، إضافة إلى سيرته الذاتية أوراق الحلواني الصادرة عن دار المشرق لصاحبها محمود عباسي. ويزيد عدد مؤلفاته عن مائة كتاب إضافة إلى عشرات الترجمات.

في قصّته القصيرة “اسق العِطاش” من مجموعة القنبلة الشرقية، يكتب كيف فقد ساقه خلال الحرب عام النكبة، ثم يشرف على الموت عطشًا لأن كل من حوله كانوا يقولون إنه سيموت إذا شرب الماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى