اشكر الله والناس

مرفت عبد العزيز العريمي | مسقط

 قيل لي ذات مرة  إن الثناء والشكر دليل ضعف أو حاجة الشخص للشخص الآخر وهذا مدعاة للغرور والتكبر لدى الآخر”….”،ولذا فالافضل عدم المدح أو الثناء على أي أحد؟ أيا كان حتى لو كنا بحاجة إليه؟!

وقيل لي أيضا إن الشكر والثناء والاعتذار أساس التعامل  في بعض الدول المتحضرة والغربية، وإن لم تلتزم بها في سائر تعاملاتك مع الآخرين فلن تجد من يتعامل معك أو يخدمك لأنك بذلك تكون خارجا عن الذوق العام وتعتبر إنسانا فظا!

“الحمدالله ..أحسنت .. شكرا جزيلا .. بارك الله فيك”.. كلمات بسيطة  لا تقدر بالمال عظيمة الأثر في النفوس، عندما نراجع أبجديات تعاملنا اليومي مع الآخرين سنجد أنها أصبحت نادرة بين أفراد الأسرة الواحدة والأصدقاء وحتى الزملاء في العمل، بل اصبحت كلمات النقد السلبي والتذمر من كل الشيء هي البديل الذي حل محل الثناء والشكر.

أصبح الناس بشكل عام يفتقدون إلى الذوق المناسب لتقدير صنائع الآخرين  أوالثناء على سلوك قام به زميل في العمل أو امتداح ثوب أو طعام الزوجة أو تقدير إهتمام العاملة بأداء واجبها على أكمل وجه.

البعض اعتبر حصولهم على معاملة جيدة من الطرف الآخر أيا كان حقا مكتسبا وليس عليه أن يقوم بأدنى محاولة للحفاظ عليه من خلال تقدير تلك المعاملة والثناء عليه بل يرى البعض أن في ذلك انتقاص من قدرته وكرامته.

مفاهيم أخلاقية دخيلة على مجتمعنا لا ادري من أين أتت؟ فإن عدنا بالذاكرة إلى الوراء لبعض سنوات لوجدنا أن هناك الكثير من المبادىء الأخلاقية والسلوكية لم تعد حاضرة في مجتمعنا. . أذكر في صغري “التوبيخ” الذي نلته من والدي – الذي كان أول و آخر مرة – فقط لأنني لم أقل له شكرا.

الأخلاق النابعة من الدين الإسلامي أساس ثقافتنا العمانية،والثناء والشكر ورد في القرآن والسنة في عدة مواضع حيث يقول الله تعالى “.. إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا..” ،”.. وإن شكرتم لأزيدنكم ..” ويقول نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم: “لا يشكر الله من لا يشكر الناس”.. وهذا دليل على أهمية الشكر والثناء فكيف أختفى الشكر من قاموس التعامل؟

قد يتذكر البعض منا أحد الدروس التي تعلمناها في المدرسة عن قصة الرجل الذي وجد كلبا يلهث يأكل الثرى من شدة العطش فسقاه الماء حتى ارتوى، فقال النبي عليه الصلاة والسلام “فشكر الله  له فغفر له”،وهنا نجد أن كل الكائنات تشكر وتحمد الله على النعم فلماذا غاب ذلك عن ذهن الإنسان  في عصرنا هذا؟!

طغت على ثقافتنا فلسفة عدم الرضا عن الآخر مهما تحقق من مكاسب، فدائما ننظر إلى الأمور من منظور “الجزء الفارغ من الكوب” وندخل أنفسنا في متاهة المقارنات،فعلى سبيل المثال ” بس هذا هو العشاء ..” ناكرين أن هناك من لا يجدون قوت يومهم  وليس ثلاث وجبات في اليوم؟ .. “ليش فلان يمتلك منزلا فخما وسيارة فارهة..” قد لا يعلم أن فلانا غنيا ولكن يفتقد السعادة والأمان الذي نعيشه.

التذمر وعدم الشكر على النعم لن يجلب لصاحبه سوى مزيدا من التذمر والسخط ، لا أبالغ عندما أقول إن التذمر  والشكوى لم يكن سببا أبدا في تحسين حياة الإنسان بل دائما نجد المتذمر تعيسا مهما أمتلك من مال وعيال.

 فالشكر والثناء يصدر طاقة إيجابية يجعل الإنسان أكثر  نشاطا وقدرة على العطاء والعيش في سعادة، فإذا شعر الموظف أن المسؤول سيثني عليه سيجتهد في عمله ..إذا وجدت الزوجة ثناءا من زوجها على قيامها بواجباتها  ستبدع لتحقيق السعادة لأسرتها… إذا شكر المعلم طلابه على أجتهادهم ومثابرتهم سيتعلم الطلاب سلوكيات أخلاقية صحيحة في تعاملهم مع المجتمع  ناهيك عن سعيهم لمزيد من المثابرة والتعلم،والعكس صحيح نجد حولنا الكثير من الأزواج والزوجات والأبناء والموظفين بحاجة فقط إلى كلمة شكرا حتى يستطيعون إكمال مسيرة العطاء.

لو نظرنا إلى تأثير كلمة “شكرا” على انفسنا سنجد إن الكلمة الطيبة تعني أن الآخر متابع لعملنا، أن الآخر مقدر لمجهودنا ..أن الآخر سعيد بمثابرتنا..هذا كله يشعر الفرد منا بالسعادة لأنه تمت مكافأته معنويا، والمكافأة المعنوية  أعمق وأبقى من المادية.

الصمت وعدم الثناء والتذمر من الحال أنعكاسات  لعدم الرضا الناتج من عدم الشكر على النعم التي منحت لنا ،فالصحة  والإستقرار  والأمان  والطعام  والهواء  والعلم والجمال والسكن والمال والعمل والأولاد  وغيرها الكثير نملكها بين ايدينا ولا نشعر بقيمتها اعتقادا منا انها حق مكتسب،متناسين ان هناك الكثير من حولنا لا يحصلون على ربع هذه النعم..وعلى الرغم من ذلك يشكرون.

يقول أحد الباحثين الذي درس  “قوة الشكر والثناء”: إن الشكر سبيل إلى النجاح والإبداع لأنه يمنح الشاكر مزيدا من القوة والطاقة للقيام بالمزيد من الأعمال والعيش في سعادة،حيث وجد العلماء إن الشكر  يؤدي الى السعادة واستقرار الحالة النفسية والعاطفية، وإنه علاج ناجع من الاحباط ويجعل الانسان أكثر أقداما وتفاؤلا و أكثر قدرة على حل المشكلات والمصاعب التي تواجهه،الى جانب تعزيزه للنظام المناعي للإنسان، كما إن الشكر والرضا والقناعة جميعها تشعر الإنسان بالسعادة،وأن هذا يقلل إفراز “هرمون الإجهاد” الذي يسبب أمراض القلب.

كثير منا يحاولون انجاز أعمال أو ممارسة سلوك حميد، ولكنهم يجدون ثقلا في القيام بذلك فيتقاعسون لأنهم لا يجدون لذة في أدائه ،والسبب يعود الى أن دماغ الانسان أصبح مثقلا ومليئا بالعادات والافكار السلبية  والخاطئة ،لذا يجب تصفية الذهن وإعادة برمجته بالعادات والأفكار الصحيحة والإيجابية وتعلم سلوكيات حميدة حتى تتحقق السعادة ،وكل ذلك يبدأ بالشكر والثناء من القلب وليس من اللسان،والشكر يجب أن يكون سلوكا يوميا نمارسة عندما نصحو وحتى خلودنا إلى النوم..فعندما ترى المريض أشكر الله على نعمة الصحة .. وعندما ترى الفقير تصدق بما تيسرمن مال فهذا نوع من الشكر .. وعندما ترى الجاهل أشكرالله بتنوير الجاهل بعلمك،علينا أن ننظر لمن حولنا من شعوب وحضارات لا تنعم بالأمان أو الإستقرار نتيجة الحروب وتفشي الإجرام في حين تستطيع أن تنام ليلا مطمئن البال لا تخشى أن تنسى باب منزلك مفتوحا..ألا تعد هذه نعمة وجب الشكر عليها؟!

كلما شعرت بعدم الرضا او الاحباط عليك بتذكر والإحساس بنعم الله عليك نعمة نعمة من نعمة المال والصحة وسلامة البدن والامن والاستقرار تذكرها كل يوم وستشعر انك امتلكت الدنيا وما فيها وسيتلاشى حيئذ الفراغ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى