كَرَجْعِ الصَّدَى

 معين شلبية | فلسطين

كَما يُطارِدُ الضُّوءُ الفَراشاتِ
يستدرِجُني العَدَمُ نحوَ الغامضِ الغيبيِّ
يَشُبُّ الحزنُ فِيْ رُوحي كحُزمةِ قشٍّ توقِدُها النِّيران
مذاقٌ باهتٌ ينبجسُ شحيحاً حدَّ الدَّهشِ
يُعَسْعِسُ لَيْلِي بالحِرمان.
وَليْ موعدٌ مَعَ الحِرمانِ كيقظةِ حُبٍّ مُؤَجَّلَة
شلالاتُ شوقٍ تجرُفُني نحوَ الأَقاصِي الممكنَة
شهوةُ الأَصلِ تَنْزَعُ الحُجُبَ عن وجهِهَا
تهاويلُ كشفٍ تَكْشُطُ مَرايا السُّؤَالِ
تشقُّ المكانَ وتحشُرُ الخُطَى فِيْ مِدَقِّ الأَزمنَة.
مُثْقَلَ الخُطَى وصلتُ معبرَ الخيباتِ
-لا حُلْمَ يَكفيني لأَدنُو خُطوتينِ-
مواجيدُ ومضٍ تَطْلَعُ مِنْ نارِ القُدامَى
تَرْصُدُ حواسِي القاحِلَة
تتواترُ كأَرضٍ منقوعةٍ بالعَنْدَمِ
فِيْ بُرْهةِ الوقتِ الماحِلَة.
مواقيتُ جَرْسٍ تنحسرُ شَطْرَ النِّهادِ
حجابٌ كثيفٌ يخيِّمُ فوقَ التُحُوتِ
لوحُ الكتابةِ يأْخذُ لونَ ذاكرَتي الخفيضَة
كأَنِّي أُهبةُ الموتِ الخَفوُتِ
رائِحةُ اليباسِ تجرجرُني نحوَ الشَّتيتِ
خرابٌ غامرٌ يوقظُ الحَيرانَ
وحلمٌ عارضٌ يُبَشِّرُ بالقيامةِ
يصلُ حتَّى الاحتقَان.
لاْ أَجملَ منْها كانتْ لمحةُ الاحتقان
كرجعِ الصَّدَى البحريِّ يتصاعدُ فوقَ السُّكونِ
كإِلهَةٍ إِغريقيةٍ تتخطَّرُ بليلِهَا الأُنثويِّ
كمدينةٍ شامخةٍ على حافةِ البكاءِ
لكنَّ منحدراتِ الغَيْبَةِ طمَّتها فِيْ ثنايَا الذَّاكرَة.
محمَّلاً بالذَّاكرَة، ممتلِئَاً بالنِّسيان
ضيَّقتُ هاويَتي لأَعبرَ هُوَّةَ الأَضدادِ
خيطُ ضوءٍ كاشحٍ يَعُجُّ بالثُّنائِيَّاتِ
والقلبُ يطفحُ بعاطفةٍ غريبَة
يُغلقُ شُباكَ الحنينِ
يُسْدِنُ السِّتارَ على شُرفَةِ الفلكِ البعيدِ.. ويمضِي؛
كأَنَّني أَمضِي إِليهَا
كأَنَّها تَمضِي إِليَّ
ولأَنَّنا مَا زِلنا نمضِي
لمْ يبقَ ليْ شيءٌ لأَفْقِدَهُ هُنا
ولاْ شيءَ فيهَا سِوى
مقايضةِ الحقيقةِ بينَ وجهِهَا والقِناع
لاْ شيءَ فينا
غيرُ مصيرِنا المسروقِ فِيْ هذا الضَّياع
لكنَّنا أُخيولةُ الوجعِ المرابطِ وَسَطَ الخاصِرَة
لنَا الدُنيا هُنا..
ولنَا هناكَ الآخرَة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى