خلط الدين بالسياسة
حازم القواسمي| فلسطين
5 آب 2020
أصبح كل شيء في حياتنا في العقود الثلاث الأخيرة مرتبط بالدين. فلا تتفوه بشيء أو تفعل شيء أو تناقش في شيء إلا ويقوم صديقك باستدعاء النصوص الدينية التي يعتقد أن لها علاقة بالموضوع، وغالبا لا يكون لها أي علاقة به. وأصبح كل شيء في حياتنا دينيا. فحوارنا العادي يكاد لا يخلو من حديث أو آية لإطلاق الأحكام على الاحداث بالحلال أو الحرام، حيث يتجلى الإبداع في تفسير الترابطية العجيبة بين الحدث والنص.
ولا يقتصر الأمر على استحضار النص الديني من الكتب الدينية فقط، بل أصبحت الأحداث التاريخية الغير موثوقة مرجعاً رئيسيا لحياتنا اليومية في السياسة والاقتصاد والزواج وعلم الأعصاب وفي كل شيء.
والسياسة ليست شيء مقدس أو ثابت، بل من المعروف بأن السياسة وسخة، وهي فن الممكن، وعملية ديناميكية مبنية على الألاعيب والخدع والدبلوماسية المنمقة.
فكيف نربط الدين المقدس الثابت بشيء وسخ وغير مقدس على الإطلاق وغير ثابت مثل السياسة، وكيف نربط الدين المتعلّق بالغيبيات بالسياسة المرتبطة فقط بالأعمال الدنيوية الملموسة للدول والناس.
إن محاولة رجال الدين التدخّل في السياسة والحكم هي محاولة منهم وطموحاً غبياً لهم أن يصبحوا سياسيين، وبالتأكيد فهم أقل الناس حظاً في أن ينجحوا في ذلك. فرجل الدين شخص قارئ للكتب الدينية والتراثية، وليس دارس محترف للعلوم السياسية أو العلاقات الدولية، ولهذا نجد أخطاء رجال الدين في السياسة بدون نهاية وأحيانا لا يفرقون بين قارة وأخرى في الجغرافيا، وبالطبع ليس لهم علاقة بالقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية.
وتجد أيضاً رجال الدين بارعون في الخطب الدينية باللغة العربية الفصيحة، بينما لا يجيدون الحديث بالمصطلحات السياسية المعقدة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو أي لغة عالمية.
وسواء كنا نتحدث عن السياسة الداخلية للدولة، أو السياسة الخارجية، فكلاهما يحتاج لسياسيين بارعين محترفين متخصصين ومهنيين، وليس خطباء جمعة. فعلى سبيل المثال، من المهم أن يكون وزير الاتصالات على علم بالتكنولوجيا والاتصالات الحديثة وأين وصلت من تقدم، حتى يستطيع أن يتقدم بهذا القطاع المهني الهام الذي ترتكز عليه كافة قطاعات الدولة، وليس شرطاً أن يعرف في استنباط الأحاديث أو تفسير النصوص الدينية. ووزير الاقتصاد بحاجة أن يكون اقتصاديا مرموقا، وعلى دراية تامة بكيفية التقدم بكافة القطاعات الصناعية والمالية والتجارية والزراعية حتى ينهض بالدولة ويقوم بتوفير فرص عمل للشباب. ولا يُشترط به أن يكون حافظاً لتفاصيل معركة بدر أو مجريات غزوة الخندق التي وقعت في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة.
إن هوس وشهية رجال الدين الاسلامي هذه الأيام للوصول للسلطة والجاه والحكم والمال مفتوحة على مصراعيها، ويبدو أن الأمة العربية لم تتعلم كثيراً من المصائب التي ألمت بأوروبا في القرون الوسطى حين استبدّ رجال الدين المسيحي بالسلطة والحكم وأذاقوا شعوبهم الويلات والاستعباد. ويبدو أن الجهل السائد في العالم العربي والابتعاد عن النهج العلمي والعمل الاحترافي لا يساعد كثيراً في وضع الأمور في نصابها – الدين لرجال الدين والسياسة لرجال السياسة ونساءها.
ولذلك كلما تقدمنا خطوة، رجعنا للخلف ألف خطوة لأن الطريق غير واضحة والرؤية ضبابية تخلط الحابل بالنابل والدين بالسياسة.
لكنّ الأمل يبقى موجودا، والعمل الجاد لا بد منه من أجل نهضة حقيقية علمية علمانية تفصل الدين عن الدولة وتقوم على الحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية.
ودوما كانت وما زالت تونس تشع الامل في أن العرب قادرين يوماً ما أن يشقوا طريقهم في الظلام حتى يصلوا إلى النور. وقد بدأ التحول الديمقراطي العلماني في تونس بعد الثورة وسيستمر.
والعرب ليسوا أقل من باقي شعوب العالم، ومن حقنا أن يعيش شيبنا وشبابنا حياة كريمة محترمة، حيث توجد مساحة متاحة للتدين، ولكن دون التدخل في شؤون الدولة والمواطنين. فالتدين حرية شخصية، ويجب أن يبقى كذلك ولا يخرج عن كونه اعتقاد شخصي ايماني مرتبط فقط بالفرد.
. hazem.kawasmi65@gmail.com