حمار الشيخ – يسهرون النهار والليل -1-

جميل السلحوت| فلسطين

 ترددت أكثر من مرة هذا الأسبوع على مكاتب إحدى المؤسسات لاستكمال معاملة تهمني، ولما كنت حريصا على عدم ضياع يومي فقد كنت أذهب مبكرا، فأربط أبا صابر بشجرة أمام مكاتب المؤسسة، فيلتهم الكثير من الأعشاب ومن بقايا الطعام والقمامة التي تحيط بالمكاتب، فيستفيد أبو صابر بأن يملأ معدته وتستفيد المؤسسة بأن تتخلص من قمامة تستقطب الحشرات من ذباب ونحل وزنابير لا تنفك عن مطاردة المراجعين، ويبدو أنها لا تؤذي الموظفين للألفة القائمة بينهم وحفاظا من الحشرات على حق الجوار.

وبما أن أبا صابر ينهق عندما نصل مكانا جديدا وكأنه يخبر ساكنيه بقدومنا، إلا أن أحدا لم يتحفنا بطلعته البهية كما هي العادة، وتبين لي أنه لم يكن هناك أي موظف مع أنني وصلت في الثامنة والربع ومع وجود أكثر من مؤسسة في نفس المبنى، وتبين لي لاحقا بأن بعض الموظفين يناوبون في المكاتب نائمين باستغراق لم يوقظهم منه نهيق أبي صابر، وفي حوالي الثامنة والنصف حضر موظف قادني إلى مكتبه وسالني عن مرادي؟ وبعدها أخذ ينهال علي ببعض الأسئلة فتأكدت أنه من عسس السلطان، فدب الخوف في قلبي لحساسيتي من مكاتب العسس في بعض الدول العربية الشقيقة التي ما أشعرتني بإنسانيتي في يوم من الأيام، ولكن خوفي بدأ يتلاشى بعد ما أكرم الرجل وفادتي وتعامل معي بمنتهى الأدب واللطف، وشربت قهوة الصباح بصحبته. ثم جاء شخصان لا تدل ملامحهما عن شيء من الذكاء، فاستغليت ذلك وركزت انتباهي لتحركاتهما ولأحاديثهما فتأكدت أكثر من ذي قبل بأنهم يعانون من نقص حاد في الفسفور الدماغي، ولا يستوعبون كل ما يسمعون فقلت في نفسي “عدي رجالك عدي” ثم جاء آخر كانت ملامح وجهه وتصرفاته تدل على ذكاء خارق ففرحت له، وعندما نهق أبو صابر راقبت ردود الفعل عند الجميع، فضحك الأول والأخير وعلقا بكلمات ذات معنى أشعرتني بأهميتي وأهمية أبي صابر ،في حين أن الاثنين الآخرين ظهرا وكأن بينهما وبين أبي صابر صلة قرابة وإن كانا لا يفهمانها.

وبعدها دخل شخص آخر انتبه له الجميع، وامتنعوا عن الكلام وأخلوا له مكانا رئيسا للجلوس فاعتقدت أنه كبيرهم وأخذت أراقبه، فكانت الجدية بادية على وجهه، كلامه قليل، ونظراته ذات معنى، فأعطى المكان هيبة وجدية لم ألمسها من قبل،وتصفح بعض الأوراق وخرج فعادت الفوضى من جديد،ولما ذهبت لقضاء حاجتي لم أتمكن من ذلك لأن دورة المياه أكثر قذارة من حظيرة أبي صابر، فانصرفت إلى أبي صابر وامتطيته وعدت إلى بيتي خائبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى