أكتُبُكَ الآن

عفاف حسين الخطيب| سوريا
أكتبُ الآن، لا أَنتظرُ ردَّك،
في لحظةٍ مواتيةٍ للسُّخريةِ،
وبِرَعشةِ إدراكٍ مُباغتٍ،
قبلَ أيِّ شيءٍ…
مَن قالَ إنَّ الحبَّ يَسمُو في الغَزَلِ؟
وقد خَذَلَتْهُ البلاغةُ؟!
في أُولى محاولةٍ للنَّجاةِ!
هُنا، الذكرياتُ تَطْفو على سطحِ مُخَيِّلتي،
كَفُقَّاعاتٍ من زمنٍ مُضيءٍ،
دربُ الهوى الذي نَسَجْتَهُ ابتسامتُكَ القَزِّيَّةُ في الأمسِ،
كيف غدا شائكًا؟
يتلوّى في خاصرةِ الذاكرة اليوم؟!
وهذا الهُلامُ الذي كُنّا نُسمِّيهِ حُلْمًا،
يَبدو الآن قابلًا للتحوُّلِ؟
لقد سقطَ النِّداءُ على جسدي
جليدًا قارصًا،
لا يُجدي معهُ الحريرُ الرقيقُ،
ولا يَذوبُ أمامَ لهفةِ الترقُّبِ.
أيُعقَلُ أن أكونَ على الدوامِ حشرةً مُستأنَسَةً؟!
تتعايشُ بهدوءٍ في زوايا حضرتِكَ،
على أنها لُبادٌ نُسِجَ بصباغِ الحرارةِ والرطوبةِ والضَّغْطِ؟!
بينما أنتَ،
مجرّدُ حرفيِّ صوفٍ،
تَغزلُ من خلفِ المسافاتِ شرنقةً جارحةً،
كأنَّكَ تَصنعُ من برودةِ الغيابِ ملاذًا بعيدًا لكَ،
لا يَخترقُهُ صوتٌ، ولا يَبلُغُهُ صدى!
قُلتُ لكَ على مِرارِ عامَيْنِ وأكثرَ،
إنَّ فطرتي في الحبِّ ليست سليمةً،
هُنا قلبٌ هاربٌ من نفسِهِ،
يخافُ،
يرتجفُ،
يعرِفُ أنَّ دفءَ العاطفةِ
نارٌ لا تُرجى منها حيلةٌ، ولا حياةٌ.
لو أنّك…
في أيِّ لحظةِ خصامٍ بيننا،
تذكَّرتَ أوّلَ أُغنيةٍ أَهديتُها لكَ،
لفهمتَ أنَّ صوتي يومها قد استعارهُ بلالُ الديركي،
وأنَّ الكلماتِ كانت تنهيدةً لا لحنًا،
وأنني لا أبحثُ عن حبٍّ،
بل عن نجمةٍ تُضيء لي الغرقَ،
وليس الوصولَ!
لكنَّنا رَسَوْنا، خَطأً،
في ميناءٍ لا يُشبهُ قلبي،
ولا يُرضي غرورَكَ،
في زوايا لا تُفصحُ،
مهما استعَرَ الألمُ والحُبُّ…
خوفٌ على خوفٍ
ما زال يتخبَّطُ على قلبي:
*”أنا خايف حب…”*
أقِفُ الآن،
بلحظةِ استراحةٍ خائبةٍ،
كمُقاتلٍ وحيدٍ على خطِّ جبهةٍ أوّل،
في بلادٍ لا يملكُ منها سوى محطِّ قدمٍ،
لوثيقةِ ولادةٍ!؟
في أرشيفِ حكومةٍ ضائعةٍ،
وإن كان لي حقٌّ في الردِّ،
فإنَّها لحظةُ إدراكٍ لحقيقةٍ
كانت خدعةَ حربٍ باردةٍ،
إعلامًا مؤقّتًا للانتماءِ،
لا عهدًا بالأمانِ.
لو أنني اعتدتُكَ من قبلُ،
أنْ تفهمَ أيَّ نصٍّ أَكتُبُكَ فيه،
لصدَّقتَ أنّكَ الآنَ تقرأُني، لا تنظرُ إليَّ فقط،
ولفهمتَ أنني لا أكتبُ لأشرحَ،
بل كي أُشبِّهَ جرحي بلغتي،
كي أَحمِلَني على سطورٍ لا تبوحُ بالجرحِ، بل تُعيدُ رسمَهُ.
وحدكَ لو تأمَّلتَني لِبُرْهةٍ،
لعرَفتَ أنني أَقِفُ لا كبطلٍ،
بل كجنديٍّ أرهقَهُ تَمسُّكُهُ، فاستسلم…
أكتُبُكَ الآن،
في عُزلةٍ ما اخترتُها من قبلُ،
في صمتٍ ليسَ اختيارًا،
بل قَدَرٌ يتلبّسُ أنفاسي،
بمدادِ حبرٍ لا يُخلِّدُكَ… ولا يَمحوكَ.
لا أستعيرُ صوتي من أحدٍ،
فالحرفُ لي، والنبرةُ لي،
بالخيبةِ التي علَّقتُها على حبالِ حنجرتي،
كوشاحِ كآبةٍ لا يُشفَى ولا يُشقَى،
بِبُحَّةِ “آهٍ” غبيَّةٍ،
علَّمتني كيف تُستهلكُ الروحُ دونَ أنْ ينتبهَ لها أحدٌ.
هذا الكمُّ الهائمُ من الصبرِ مُخيفٌ،
وهذا السكونُ الجارحُ،
يمزِّقُ أمنياتٍ كانت تُحاكُ على أطرافِ الحُلمِ،
حتى طيفُكَ… صار بعيدًا،
كأنَّ الطرقَ إليه تُركَتْ مُطفأةً عمدًا.
أُقصيكَ الآن، كما تُقصى القصيدةُ،
لا لكُرْهٍ… بل لِكُرْهٍ.
عِشْ ما شِئتَ،
فإنَّ قلبي حرٌّ،
لا يُؤسَرُ،
ولا يُساوِمُ على نجاتِهِ.



