طبَّال الزَفَّة!

 

صبري الموجي|رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

هى ظاهرةٌ قديمة قِدَم البشرية، سجل التاريخُ العديد من صورها، وحصد أصحابُها كثيرا من المنح والعطايا جراء مدح الملوك والسلاطين، وتملُق الخاصة وأصحاب النفوذ، ورغم قِدَم تلك الظاهرة إلا أنها استفحلت فى زماننا، وأضحت كارثة تُهدد بانهيار المجتمع، بعدما تحولت إلى كذبٍ صريح ونفاق داعر، ومُجاملة مقيتة، أدت إلى طمس الوقائع وتزييف الحقائق، واختلال الموازين؛ بعدما لبس الباطلُ ثوب الحق.. إنها ظاهرة ( النفاق الاجتماعى) التى لا تخلو منها مُؤسسة أو مصلحة حكومية، وانخدع بها كافة المسئولين، سواء كانوا صغارا أو كبارا.

وتكمن خطورة تلك الآفة التى أجادها الأقزام المتطلعون إلى مناصب لا يستحقونها، وعطايا هى من حق من هم أكفأ منهم، فى أنها تساعد علي انحدار القيم والأخلاق، وضياع الحقوق وتفشى الظلم والجور، ورسوخ دولة الجُبن والخوف والاستكانة والخنوع، مما يهدد باستئصال شأفة هذا المجتمع، وتعطيل عجلة الإنتاج، بعدما يؤمن العامل المُخلص، بأن جهده يجنيه من لا يستحق ممن يجيدون فنون النفاق والتلملق.

والنفاق كلمة مُشتقة من النفق، وهو الحُفرة التى تحفُرها بعض الحيوانات، وتجعل فيها فتحتين، فإذا ما هُوجمت من ناحية خرجت من الأخرى، ولا يختلفُ المنافق عن تلك الحال، فهو شخصٌ يتصف بالذكاء، فإذا ما حُورب من جهة، لاذ بالفرار من جهة أخرى ليُشتت تركيز المهاجم، ويشغله عن هدفه الأسمى، فيفوت عليه فرصة الإيقاع به، وكشف حيله وألاعيبه .

فالمنافق شخصٌ أشبه بالحرباء، يمكنه التلون بعدة ألوان ليهرب من عدوه، فتراه يأكل على كل الموائد، و( يطبل فى كل زفة)، كما أنه وعاءٌ يتسع لكل الأفكار، فإذا ما راجت كفة فصيل كان أول المُهللين له، المباركين لقدومه، وإذا ما دالت دولته كان من أشد الناس هجوما عليه، بل رماه بسوءات ليست فيه.

 وحال المنافق كما صوره النبىُ فى حديثه الصحيح: مثلُ المنافق كمثل الشاة العائرة ( أى التائهة المترددة) بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة لا تدرى أيهما تتبع.

والمؤكد أن ماحدث فى مصر مُؤخرا من مظاهرات وثورات، كشف عن كثير من المنافقين الذين سقطت عنهم الأقنعة، فظهرت وجوههم القبيحة، فكثيرا ما تغنوا ببطولات أناس وأمجادهم، ففازوا بمناصب وعطايا؛ صاروا بفضلها من أصحاب السطوة والنفوذ، وبمجرد سقوط دولة أسيادهم كانوا حربا عليهم، ونارا مستعرة لا تُبقى ولا تذر!

 والمؤسف أنه رغم علم المجتمع بهؤلاء المنافقين فإنه يسكت عن فضائحهم، مستمسكا بشعار ( الأنا مالى) تاركا هؤلاء المفسدين يعيثون فى الأرض خرابا ودمارا.

والمتأمل يجد أن أهم آلة لترويج ( بضاعة النفاق) هى الآلة الإعلامية، التى يُنفق عليها بعض رجال الأعمال ( المُوجهين) بسخاء لترويج أفكار مغلوطة، وإعلام مسموم يدمر عقول الشعب.

والخلاص من تلك المشكلة يتمثلُ فى تكميم هؤلاء المنافقين وقطع ألسنتهم، وعدم السماح لهم بممارسة هذا الدور الذى يهدم ولايبنى، وبدلا من أن ينخدع المسئول أيا كان موقعه بمعسول الكلمات، والإطراء الرخيص عليه أن يتذكر مقولة فاروق الأمة عمر بن الخطاب: رحم الله امرءا أهدى إلى عيوبى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى