في انتظار موته، جهزوا رثاءكم
خالد جمعة | فلسطين
كنا نحب أفلام “الأكشن” لأننا كنا نعرّف البطولة بما يفعله بروسلي مثلاً، أو كلينت أستوود، وعندما نضجنا قليلا، أصبح لدينا تعريف آخر للبطولة، لا علاقة للعضلات به، وصرنا نشاهد أفلاما ينتصر فيها الضعيف على القوي حين يملك إرادته وتصميمه.
في المثيولوجيا الإغريقية، حارب 300 فارس من إسبرطة، مليون جندي من فارس، لأن العرافة قالت للإسبرطيين إن الحرب في هذا التوقيت ستجلب الويلات على اليونان كلها، فلم يستجب للقائد الحربي الإسبرطي غير 299 جندياً، وخاضوا حرباً مع ألف ألف، وبالطبع قتلوا جميعاً، لكن بعد أن كبدوا الفرس خسائر هائلة، وهذه المعركة بالذات، جعلت التاريخ يغير مفهوم الانتصار والهزيمة في المعارك إلى اليوم.
هشام أبو هواش هو الـ300 فارس إسبرطي في الحكاية، لا يملك غير موته سلاحاً يهدد به أعداءه، فاستعمل الطريق إلى الموت كورقة ضغط لا يملك سواها، ونزل جنوده من 86 كيلوجرام إلى 39 كيلوجرام، ولم يزل مستمراً في المعركة، وربما ينتظره الموت على بعد ساعات، أو أيام، لا أحد يعرف ما يخبئه الله له، لكن الثابت في الأمر أنه يخوض معركته نيابة عن شعب كامل بأسراه وموظفيه وأحزابه وروضات أطفاله ومزارعيه، وجنوده كذلك.
كل الشعارات التي يطلقها الجميع، يعرفها الجميع، تعرفها إسرائيل ويعرفها العالم ويعرفها من لا يعرف هشام أبو هواش ومن يعرفه، أن اعتقاله الإداري غير قانوني، وأن تركه بهذه الحالة ضد القانون الدولي الإنساني، و، و، و، و، و… حسناً، أنا أكلتُ عشاءك، فأرني ماذا يمكنك أن تفعل؟
ما يمكنكم أن تفعلوه، هو أن تجهزوا رثاءكم، فقيمة هشام أبو هواش لن تكتمل إلا إذا مات، ووقتها ستبدأ السيمفونية الفلسطينية التي نعرفها منذ عشرات السنين، فلا قيمة لمناضل حي توازي قيمة المناضل الميت، الشهيد، فكي تكون بطلاً عليك أن تكون شهيداً، وما دون ذلك تفاصيل سننساها سريعا، فلا وقت لدينا للأحياء.
جهزوا رثاءكم، وبعض الدمع من أجل الجنازة، هذا إذا وافقت “إسرائيل” على إعطائكم الجثمان، ولكن قبل كل ذلك، عليكم أن تجهزوا جملتين قصيرتين إذا كانت لديكم الجرأة لتقولوهما لأولاده، حين يسألون ببساطة عن كل هذه الترسانة من الخطابات في وقت يمد الموت يده لأبيهم بأصابعها الخمس كاملة.
ليس هشام أبو هواش مجبراً على أن يكون معادلا موضوعيا للمقاومة الفلسطينية بأكملها، وليس مجبراً على أن يخسر أكثر من نصف وزنه في وقت قارب الخمسة أشهر، إنه اختياره، إنها عقيدته، إنها إيمانه، وهذا الإيمان كان، وما زال مربكاً ومحرجاً لمن لا يفهم معنى أن تكون الحرية بكل بساطة، أغلى من الحياة.