حكايا من القرايا ” التلفزيون المتمرد “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

كان في البلدة تلفاز واحد، يعمل على بطارية… تشحن عندما تنتهي طاقتها… وماتور كهربا نص عمر، كان الماتور نشيطاً، نشيطاً بصوته يكفي لقرقعة قريتين، ونشيطاً بدخانه فكأنه يدير مصنع لدائن، لكن ميزته هنا أنه قطع الهسهس والبعوض من المنطقة، ونشيطاً بحركته، فكان الماتور يهتز كثيراً، ويتحرك، مما اضطر صاحبه لربطه بحبل، ربطه في شجرة في قاع الدار… واعتبره دابة من دوابه…

لقد ابتلى الله سبحانه جلال الرعد صاحب التلفاز، حيث أصبحت داره مضافة للرايح والجاي، ما أن تعتّم الدنيا ويدخل الليل، حتى تتوالى ضربات المحاجين على الباب، ويدخلون، يجلس الختيارية على فرشات وجنبيّات، بينما يجلس الشباب على كراسي القش… وهات لحّق شاي وقهوة لضيافة الجموع الساهرة…

وما أن يرى أبو صالح المغنّية سلوى تغني بين الدوالي… والكرم العالي، وهو متمدد على طرف حصيرة جافّة، وعندما يصل المَغْنى إلى مقطع ” صبّاب القهوة… دور بدلّتها… وهالسهرة الحلوة ما بنفوتها… حتى يصيح أبو صالح بجلال الرعد… القهوة يا جلال… يا جلال حرام عليك دور بدلّتها، فتغلي حمدة زوجة جلال القهوة، ويقدمها الابن أحمد الجلال للموجودين…

عبد الله البدراوي كان يدعي باستمرار، أن سميرة توفيق وهي تغني لا تنظر إلا إلى ناحيته، وتغمزه وهي تنادي ” بسّك تيجي حارتنا يعيوني… وعينك على جارتنا… يعيوني…” كان يطير فرحاً بينما زوجته ربيحة السعد تحترق غيرة وانفعالا من حركات زوجها القرعة… وتصابيه… وفي نصّ الغنيوية يصيح الرجل من قحف راسه ” سميري… سميري… ينصر البطن اللي حملتش يا سميري”… فتدشع ربيحة تقاتل الشاشة بعصبية واضحة، والمشاهدون يتضاحكون عليها… ومن غيرتها…

كان التلفاز أيامها يأتي بلونين اثنين، أبيض وأسود… ويفتح من الغروب إلى منتصف الليل، والناس مضطرون لمشاهدة برامجه، فلا بديل عنها… لكنها نعمة وأكبر نعمة… حيث كانوا يسمعون بالراديو مضافة الحج محمود… وأصبحوا يسهرون معها في التلفاز، وخراريف أبو طافش… يضحكون معه… وغناني سميرة وسلوى وعبده موسى وهيام يونس… ويكادون يرقصون معهم… لكن الأنكى والأدهى والأمر، كانت حكاية أبو ربحي الناصري، كان يعشق عبد الناصر لدرجة التقديس… كان كلما رأى المذيع الأردني المرحوم جبر حجّات، يقول إن جبر حجات أخو عبد الناصر أو ابن عمه… ولما سئل عن السبب، أجاب: والله اشتلقت عليه، وأخذته ع الدم… ولحّق سهرات يا جلال… ولحّق ضيافات… واسمع حكايات… وحكايات…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى