قراءة في رواية ” دبيب نملة ” للشاعر حسين مهنا

زياد شليوط | شفا عمرو – الجليل

رواية لم تخرج من الأقفاص السياسية والاجتماعية

مدخل:

فوجئت في آخر رواية “دبيب نملة” أن قصد الكاتب حسين مهنا – كما فهمته- من اسم الرواية هو الشخصية الرئيسية لها، وهو “السباعي” أو “شداد” وهو اسمه الحقيقي، حيث يكشف لنا بأنه هو المقصود عندما يحاور نفسه ويسألها ” فمن أنت؟.. من أنت!!” ويجيب عن سؤاله هذا قائلا: ” أنا نملةٌ تدبّ إلى غاياتها فلا يراها أحدٌ ولا يسمع لها دبيب…” (ص 134).

وقد ظننت أن النملة يقصد بها الحزب الشيوعي الذي ينتسب إليه بطل الرواية، حيث قال على لسان العم صابر مخاطبا سباعي: “.. فما أشبه عملنا بعمل النملة البطيء..”(ص 77). حين تحدث عن الحزب الأممي ودوره بين الشباب وفي الدعوة للعيش المشترك وفي الحياة العامة.

رواية “دبيب نملة” للشاعر حسين مهنا، تحكي مسيرة شعبنا الذي تشبث في وطنه بعد نكبة 1948 باطار اجتماعي غرامي تاريخي كما فعل خليل بيدس في روايته “الوارث”، لكن كاتبنا حسين يركز على دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي في حديث مباشر في غالبية الأطوار، من خلال الشخصية المركزية “السباعي” الذي ينضم للحزب منذ مطلع شبابه، ويفني عمره في خدمته وخدمة شعبه حتى أنه لا ينتبه لحياته الشخصية، وتفوته فرصة الزواج ويبقى أعزب حتى سني كهولته.

من هو “السباعي” ولماذا لم يتزوج؟

السباعي هو الشخصية الرئيسية في الرواية والذي أسماه والده شداد، رغم “يقينه بأن أهل القرية قد سبقوه إلى تسميته، وأسموه (سباعي)” (ص 4) وذلك لأنه ولد في الشهر السابع، هذا اللقب الذي يرافقه طيلة حياته ويغلب على اسمه الحقيقي شدّاد.

يتعرف السباعي في حياته إلى فتاتين، تبادل واياهما مشاعر الحبّ لكنه لم يرتبط بأي منهما. الفتاة الأولى هي رهام، ابنة العم صابر الشيوعي، الذي تردد السباعي إلى بيته منذ صغره، وتلقى منه أسس الشيوعية وانخرط في صفوف الحزب مساعدا له وأخذ يزورهفي بيته وتعرف إلى ابنته التي جاهرت له بحبها وطلبت منه التقدم لخطبتها رغم انتماء كل منهما الى دين مختلف، معتقدة لأن الانتماء الى مبدأ واحد يجمعهما يكفي، لكن السباعي يحجم عن ذلك احتراما للبيت وأهله وللعادات الاجتماعية. وهذا ما صرحت به والدة رهام ذات مرة قائلة “لو نحن يا سباعي على دين واحد لزوّجناك رهام!” (ص 39) ثم يتعاهدا على أن يكونا أخوين، خاصة وأن شقيق رهام يعيش خارج البلاد وكان السباعي بمثابة ابن للعم صابر، وهكذا بقي حتى وفاة صابر.

أما الفتاة الثانية فهي يهودية تدعى نتالي تعيش في أحد الكيبوتسات، وقد التقى بها السباعي في “الغابة الحمراء” بالقرب من القدس، والتي اعتاد زيارتها سنوبا مع العم صابر للاحتفال بانتصار الجيش الأحمر على النازية، وهناك يلتقي الرفاق الشيوعيون بهذه المناسبة، ولما عجز العم صابر عن المشاركة نظرا لتراجع حالته الصحية،أوصى السباعي أن يقوم بالمهمة عنه. والتقى السباعي بنتالي وبعد التعارفربطت بينهما علاقة صداقة سرعان ما تحولت الى علاقة حب جارف، لا تقيده قيود أو عادات، خاصة بعدما نجحت نتالي في نقل السباعي للعيش الى جانبها في الكيبوتس، حيث وجدت له عملا في مهنته الحدادة، لكن هذه العلاقة لا تدوم الى الأبد ولا تنتهي بالارتباط الشرعي الذي أراده السباعي، حيث تتعرض نتالي لضغوط بل تهديدات شخصية عليها وعلى عشيقها مما يدفعها لهجرة البلاد حرصا منها عليه وعلى نفسها، وهكذا يعود السباعي إلى القرية كهلا أعزب، بعدما زوج أخاه وأختيه وبقي مع والديه يقوم على رعايتهما.

الجانب الاجتماعي: غرام عابر للمذاهب نهايته التراجع

تقدم لنا الرواية قصة حب بين شاب وفتاة من قرية واحدة وانتماء سياسي واحد، لكن كل منهما ينتمي لدين مختلف. لا يتزوجان نظرا للعادات والتقاليد الاجتماعية التي تبقى أقوى من كل المباديء السياسية، ونلاحظ أن الكاتب لم يشحن الحبيبان بالطاقة المطلوبة لمواجهة هذا الواقع، وجعل الحب ينكفيء ويتراجع من البداية، خاصة لدى السباعي، بينما تكون رهام أشجع منه، (ربما يعود ذلك للانتماء الديني).

وهذا ما نجده في الحوار القصير التالي بينهما:

رهام: … ألا يجمعنا مبدأ واحد؟

السباعي: المبدأ ليس دينا يا رهام.. إنه طريق يجمعنا.. ُم ألا تدركين في أي مجتمع نعيش! وما سيلحق هذا التصرف الأحمق – لو تم- من ضرر لمركزنا الاجتماعي وعملنا الحزبي؟

رهام: تقدّم لخطبتي يا سباعي! لن أجد شابا أفضل منك.. (ص 43).

هكذا يتراجع الشيوعي السباعي، ويرضخ للعادات والتقاليد.

ويضيء الكاتب على بعض العادات الإيجابية للقرية وخاصة في حفظ الجيرة والعمل بالمعروف، الإخلاص لمن أحسن إليك والتربية الاجتماعية.

الجانب السياسي: مسيرة شعبنا في الداخل من خلال وجهة نظر أحادية الجانب

ان انتماء الكاتب للحزب الشيوعي وجبهته الديمقراطية التي أقامها بعد “يوم الأرض” 1976، يظهر بوضوح وبشكل جارف في أحداث الرواية، وما اختياره للشخصيات الرئيسة لتكون من صفوف الحزب إلا دلالة واضحة على ذلك. السباعي” بطل الرواية ينضم للحزب بعد تعرفه والتقائه مع العم صابر، الشيوعي العريق في القرية، وعلى يديه يتعلم مباديء الشيوعية وينتسب للحزب وينشط في صفوفه ويتصدر المناسبات المحلية والمظاهرات ويأخذ دور صابر، وعائلة صابر بأجمعها تنتسب للحزب حالها حال العديد من العائلات التي سارت وراء خيار رب العائلة في حقبة الخمسينات – السبعينات من القرن الماضي.

كذلك في الأحداث وعندما يصف الكاتب ما يمر على أبناء مجتمعنا، يؤكد دائما على دور الحزب وتأثيره وصحة طريقه، ولا يوجه أي انتقاد له، حتى عندما تطرق إلى انهيار الأنظمة الشيوعية، أكد على أن المبدأ صحيح وشكك فيما كان يسمعه من العائدين من تلك البلاد.

قضية حارقة عانت منها الطائفة المعروفية التي ينتسب اليها الكاتب، هي فرض التجنيد الاجباري على شبابها، ومحاولة السلطة الإسرائيلية فصل الدروز عن قوميتهم العربية وأبناء الطائفة عن أبناء شعبهم العربي، ونضال المعروفيينضد هذه الظاهرة “بعد سنوات قامت مجموعة من الشبان المعروفيينالواعين بتشكيل لجنة ترفض التجنيد الإجباري وتطالب بالغائه، تماما كما ترفض تدريز المناهج الدراسية، بفرية أن الدروز ليسوا عربا”. (ص 50). وينجح الكاتب في تصوير تلك الحالة العبثية في حوار ساخر ظريف بين مجموعة من الشبان، حين يقول على لسان أحدهم: “أكرِم علينا بزقلوطة لبنة درزية ورغيف خبز صاج درزي!” (ص 50).

الكاتب حسين مهنا في روايته الواقعية هذه، انشغل بتوثيق الأحداث وجانب من تاريخ شعبنا الباقي في وطنه، وخاصة في تأكيد دور الحزب الشيوعي دون غيره، وذلك في حقبة تراجع الشيوعية العالمية وانهيار الاتحاد السوفييتي، أكبر معقل شيوعي في العالم(باستثناء الصين) ينتمي اليه الكاتب وحزبه، وفي ظل تنامي وتصاعد قوى وأحزاب سياسية على الساحة المحلية، زاحمت الحزب والجبهة وأخذت تقتنص من دورهما، وخشية من نسيان وتشويه ذاك التاريخ كما يراه الشيوعيون. وكل ذاك جاء على حساب الجانب الفني في عدد من المقاطع حيث غلبت لغة التقرير والأسلوب الصحافي على الأسلوب الأدبي الفني، ومن المآخذ على توجه الكاتب أنه أغفل أي دور لقوى وطنية وقومية لعبت دورا في تلك الحقبة، وذلك من ترسبات الخلافات والتنافس التي عرفتها تلك الحقبة، أو يمكن للكاتب أن يدعي أنه تحدث عن قرية ما، غابت عنها الحركات القومية.

أما بعد:

مهما يكن، لا شِك أن الشاعر/الكاتب حسين مهنا قدم عملا أدبيا راقيا، واجتهد أن يخرجه بشكل لائق، وهو يستحق التقدير على هذا العمل الممتع والذي يعكس واقعا عشناه ولمسناه، وغاب للأسف مع جوانب كثيرة جميلة كانت في حياتنا ومجتمعنا، وقد تميز ويتميز الشاعر بكتاباته بحرصه على تشكيل كل حروف الكلمة وليس الحرف الأخير منها فقط، انطلاقا من حبه الكبير للغتنا العربية وحرصه عليها. ولا يبقى الا أن أوجه التحية للكاتب الصديق حسين مهنا وأتمنى له طول العمر والعافية والمزيد من العطاء الأدبي.

حسين مهنا – دبيب نملة، منشورات دار الهدى، 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى