أنقِذوا أنفسكم من العار

سهيل كيوان | فلسطين

يشكِّل عرب النّقب وتعامل السلطات معهم، نموذجا لا لبس فيه لثنائية الخير والشّر، فلو كانت إسرائيل دولة عادية، غير مؤسسة على العنصرية والاحتلال والإحلال، وتتمتّع بالحد الأدنى من العدالة والإنصاف، لكان حريا بها أن تكرّم عرب النقب عشيرة عشيرة وفردًا فردًا، وأن تمنحهم الهبات المالية والدعم المعنوي أكثر من أي شريحة أخرى في الدولة، فقد عمل ويعمل عرب النقب حيثما وجدوا على إحياء الصحراء، وحوّلوها إلى واحات تنبض بالحياة في ظروف شبه مستحيلة وبإمكانياتهم الذاتية رغم كل العراقيل التي تراكمها الدولة العنصرية في طريقهم، وتحويل حياتهم إلى جحيم، فزرعوا أشجار الزيتون وغيرها من أشجار مثمرة ومحاصيل زراعية، وجمعوا مياه الأمطار والسُّيول، واستغلّوا الطاقة الشمسية أفضل استغلال بسبب حرمانهم من التيار الكهربائي الرسمي وذلك في وسائل صديقة للبيئة، وهذا ليس غريبًا على العرب من أهل البادية والصحراء، فهذا تراث عربي لا منازع لهم فيه في كل المعمورة.

النظام في إسرائيل لوّث الأنهار والأودية والشواطئ بالمخلفات الكيماوية والصناعية بكل أشكالها، وجفّف البحر الميت وأنهكه، ولوّث أراضي النقب ومياهها بمخلفات فرن ديمونة النووي والصناعات الكيماوية، بينما يبذل عرب النقب ما بوسعهم لتحسين نوعية بيئتهم لأنهم جزء منها منذ آبائهم وأجدادهم.

عاش عرب النقب في تاريخهم شأن العُربان في كل مكان على تربية الماشية، وهذا منحهم شيئًا من الاستقلال الاقتصادي، وهذا لم يرق لدولة العنصرية فشنّت حربًا شرسة ضدهم، من خلال الدوريات الخضراء التي كانت مهمتها اختطاف قطعان الأغنام وذبحها في المسالخ الإسرائيلية أو تسميمها، إضافة إلى تسميم المزروعات بالطائرات ورشِّها بالمبيدات لمنعهم من الاستفادة منها، وبهدف تخريب مجرى حياتهم الطبيعي وتمزيق الوحدة الجغرافية لأمكنة إقامة هذه العشائر وحرمان أهلها من مصادر معيشتهم الأساسية، في تخطيط واضح المعالم ومُعلن لمحاصرتهم في تجمّعات ضيّقة غريبة على نمط حياتهم، وحرمانهم من الرِّحاب الواسعة التي تسعى دولة إسرائيل إلى تهويدها، وضرب اقتصادهم الرعوي ودفعهم للاذدناب إلى الاقتصاد الإسرائيلي.

بعض هذه التجمُّعات الحالية غير المعترف بها، هُجّرت في عام النّكبة، وبعضها هُجِّر في الخمسينيات من القرن الماضي بحجّة الحروب مع مصر، ولكن التهجير والمضايقات لم تتوقف قط، وما يجري في العقود الأخيرة هي عمليات إعادة تهجير بحجة تجميع ما يسمونه “الشتات البدوي”.

أهل النقب أبطال يستحقون الأوسمة في مواجهة الطبيعة القاسية، وهذا نمط حياة ورثوه جيلا بعد جيل، وهم أبطال في مواجهة نظام الأبرتهايد العنصري الفاشي، والوقوف إلى جانبهم ورفع قضيتهم وصرختهم ومأساتهم إلى كل مكان في العالم هو واجبٌ على كل من يؤمن بالقيم الإنسانية.

لقد كانت وحدة الضحايا في كل زمان ومكان هي السِّلاح الأفضل في مواجهة الظلم، خصوصًا عندما لا تكون بمتناول أيدي المظلومين وسائل دفاع أخرى عن أنفسهم، وليس لهم بكّايات دولية في مواجهة نظام خبيث يعرف كيف يُلبِس مخططاته العنصرية قناع الموضوعية ويخدع الناظرين إلى ما يجري من بعيد.

في كل زمان ومكان عملت سلطات الظلم على تفتيت وحدة الضحايا لتسهيل السيطرة عليهم وتمرير ما تخطط له، وكانت تعمل على استمالة فريق من الضحايا بالترغيب أو الترهيب يُسهل عليها المهمات القذرة ويشرعنها، وفي كل مرحلة من مراحل نكبتنا وصراع شعوب منطقتنا مع المحتلين، كان هناك من تواطأ واصطف إلى جانب الغزاة والجلادين ضد شعبه، طمعًا في المكافأة الآنية وتارة بهدف النّجاة أو الخلاص الفردي.

ما يميّز هذه الموجة المتصاعدة من مسلسل النكبة، هو وجود ممثلين لشريحةٍ من الشَّعب الضحية في الائتلاف الحكومي، يشكِّل ورقة توت عربية – إسلامية تزيّن الجريمة القذرة.

لا بديل عن الصمود، وهذا ما يفعله الأهل في النقب، والوقوف إلى جانبهم هو واجب وطني وقومي وأخلاقي وإنساني، ثم العمل على إسقاط هذه الحكومة، وهذا ما يستطيع أن يفعله حلفاؤها العرب احتجاجا، بغض النظر عن البديل الذي لن يكون أفضل، ولكن لا يمكن الاستمرار مع حكومة كهذه تحت أي حُجِة كانت، هكذا ممكن للموحدة والإسلامية الجنوبية أن تنقذ نفسها من الشراكة في جريمة تاريخية بحق أبناء شعبها، وألا تُسجّل وصمة هذا العار في سجلاّت التاريخ التي لن يمحوها التقادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى