وفاءً لروح المفكر والمثقف الفلسطيني هشام شرابي
بقلم: شاكر فريد حسن
تحيي الأوساط الثقافية والنخب الأكاديمية الفلسطينية هذه الأيام، ذكرى وفاة علم كبير من أعلام الفكر والنهضة العربية المعاصرة والثقافة الانسانية والديمقراطية الفلسطينية، وهو الكاتب والمثقف والأكاديمي هشام شرابي. هذا المثقف اللامع والمتوهج الذي خرج من عاصمة الساحل الفلسطيني يافا، ينشد الحرية ويبحث عن الخلاص لأبناء شعبه الفلسطيني، ويبني بفكره وعقله وجهوده عمارة الفكر الإنساني والنهضة الحضارية العربية، فكانت نظرته هي الوحدة الإنسانية بكل تنوعها في سبيل عالم فيه الكثير من أسى العدالة والمساواة، وآمن بالثقافة كأداة تغيير وتحرر تنبع في صدق واخلاص من أعماق الإنسان.
كان صاحب تجربة واسعة في الحياة وكرس عمره وفكره من أجل القيم والمبادئ العليا التي آمن ونادى فيها، قيم الحب والخير والعدل والجمال.
هشام شرابي كان شغوفاً بالتجديد والأصالة، كره الجمود والتحجر الذهني وطالب دائمًا بأن نحب الحياة في تجددها، وننتصر لكل مظاهر الخلق والإبداع ضد مظاهر الجمود والشلل والاحتضار والموت الفكري.
هشام شرابي من مواليد يافا سنة 1927، تعلم في مدارسها ثم انتقل إلى بيروت، وكان شاهدًا على تحولات العصر السياسية والفكرية والاجتماعية، تعلم في الجامعة الأمريكية وتخرج منها سنة 1947، بعدها سافر إلى شيكاغو والتحق بجامعتها وأعد أطروحته لنيل الدكتوراة عن “التاريخ الحضاري”، ثم عمل أستاذًا للتاريخ في جامعة جورج تاون. وفي سنة 1967شغل منصب رئيس تحرير مجلة “دراسات فلسطينية” وعاد الى بيروت في العام 1970 وهناك عمل أستاذًا زائرًا في الجامعة الأمريكية، وحين اندلعت الحرب الأهلية في لبنان غادرها عائدًا إلى الولايات المتحدة حيث أقام وعمل في جامعاتها. وبعد توقيع اتفاق اوسلو تسنى لهشام شرابي زيارة مدينته التي أحب وغاب عنها ردحًا من الزمن(يافا) حيث التقى خلال هذه الزيارة بالكثير من الشخصيات الفلسطينية العاملة في حقول الأدب والثقافة والسياسة. وفي1998 رجع الى بيروت وفيها عاش سنواته الأخيرة إلى أن وافته المنية في كانون الثاني عام 2005، ونعته جميع المحافل الفكرية والثقافية والسياسية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.
خلف هشام شرابي وراءه أعمالًا عدة في السياسة والمجتمع والثقافة والنقد والسيرة الذاتية وهي: “الجمر والرماد، الرحلة الأخيرة، المثقفون العرب والغرب، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي، النقد الحضاري، المجتمع العربي في نهاية القرن العشرين، الشرق الأوسط المعاصر، حكومات وسياسات الشرق الأوسط، القومية والثورة في العالم العربي، المأزق المميت، فلسطين والمقاومة، الفدائيون الفلسطينيون، الدبلوماسية والإستراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي”.
هشام شرابي كان عميق الإحساس بقضايا عصره وهموم مجتمعه وأمته وشعبه، صارع التخلف والقمع الفكري وساهم في صياغة وتعميم وتأصيل أفكار التنوير والعقلانية والتقدم. وقد شغلت قضية فلسطين عقله ووجدانه، وبذل جهودًا كبيرة في الدفاع عنها في المحافل الدولية وفي أوساط الرأي العام العالمي.
مات هشام شرابي شامخًا منتصب الهامة والقامة بنبل وإباء، وهو باق في العقل والروح والضمير الفلسطيني والعربي والإنساني، بأفكاره وتاريخه ونضاله وإرثه الحضاري وانتمائه وحبه ليافا واخلاصه لوطنه وقضيته العادلة المقدسة.
فسلاماً لروحك يا عاشق يافا مدينة البرتقال الحزين.