ضلالة هداية.. شبهات إنكار السنة (١٦)

رضا راشد | الأزهر الشريف

في واحدة من أشهر تناقضاته، يعتمد محمد هداية – والقرانيون من قبله – في إنكارهم السنة وعدم الاعتراف بحجيتها على حديث نبوي!! إي وربي، على حديث نبوي.
ففي محاضرة له بجامعة المنصورة – وكان بجواره السنيد، متابعه على ضلالاته وتناقضاته؛(فحيثما مال بهداية هواه يمنة أو يسرة مال معه): محمد لطفي، وفي جمع من النساء- استدل محمد هداية على إنكار السنة بحديث نبوي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، ومن كتب عني شيئا فليمحه”.

وفي الاستدلال بهذا الحديث عدة ملحوظات، هي عمود هذه المقالة:

(^) أولها: أن محمد هداية في الاستدلال بهذا الحديث ليس مبتكرا ولا مفكرا مجتهدا – كما يحاول أن يروج على أتباعه، أو كما يحاول أتباعه أن يروجوا له -، وإنما كان مرددا لشبهات طالما لاكتها من قبل ألسنة المستشرقين من أعداء الإسلام وتبعهم فيها أذيالهم من القرآنيين. بدليل إيراد الدكتور عبد العظيم المطعني – رحمه الله – لهذه الشبهة في كتابه الماتع (الشبهات الثلاثون لمنكري السنة النبوية) الذي ألفه عام ١٩٩٩م ساعة اشتدت ضراوة منكري السنة النبوية؛ اغترارا بالمقالات التى كان نشرها -وقتئذ- د/ مصطفى محمود في جريدة الأهرام (في مايو ١٩٩٩) وأنكر فيها الشفاعة، ثم تردى من إنكاره الشفاعة إلى إنكاره السنة، وإن لم يتابع حديثه ويصر عليه، مما يرجح أنه تراجع عن هذه الأفكار -سرا لا جهرا – لما رد عليه العلماء.

نقول ذلك ابتداء، حتى يهدأ أتباعه قليلا، فلا يصدعوا أدمغتنا ليلا ونهارا، ادعاء كاذبا بأن كبيرهم الذي علمهم السحر والضلالة وقلب الحقائق (محمدَ هداية)هو المفكر، المجتهد، المستنير، المتحرر عقله من ربقة التقليد. لا والله ما كان من هذا بشيء، بل كان المجترَّ لرجيع القوم من أعداء السنن، فإن أردتم أن تعرفوا مصادر علم أستاذكم، فابحثوا عنها في مزابل نفايات مرجليوث وغيره من المستشرقين أو محمد شحرور وأحمد صبحي منصور وأرصد عمر..وغيرهم ممن يسمون بالقرآنيين .وكفى بذلك عارا.

(^) ثانيها: استدل محمد هداية -والقرآنيون من قبله- على إنكار السنة بهذا الحديث الذي يبدو أنهم طاروا به فرحا لما عثروا عليه، وظنوا أنهم مانعتهم حصون أدلتهم من النقد والنقض، ولم ينتبه الأغرار(جمع غر: وهو: الشاب الذي لا تجربة له أو الرجل غير المجرب ) المساكين أن في استدلالهم بالحديث كبا لهم على وجوههم، وهذا ما سنبينه بعد قليل .

ووجه استدلالهم بهذا الحديث”أن السنة لو كانت من أصول الدين لامر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها وجمعها في صحف كما كان يصنع مع القرآن حين ينزل حيث كان يأمر كتبة الوحي بكتابة ما ينزل أولا بأول، ومن المحال أن أن تكون السنة من الدين وينهى النبي عن كتابتها، بل ويأمر بمحو ما كتب منها “. [الشبهات الثلاثون:ص ١٨]

(^) ثالثها: هكذا استدل القرآنيون -وهداية في أذيالهم- بهذا الحديث وغفلوا عن أنهم باستدلاله به قد وقعوا في هوة التناقض وغيابات التضارب. وبيان ذلك أن يقال لهم:
هل تؤمنون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أو لا ؟ فإن قالوا: لا، فلا كلام لنا معهم؛ إذ إنهم بذلك يكونون قد خرجوا عن كلام العقلاء إلى كلام المجانين، باستدلالهم بما لا وجود له في أذهانهم وعقولهم.= وإن قالوا: نعم، ولا بد لهم من أن يقولوها، قيل لهم: فعلام استدللتم به؟! أليس على إنكار ورود أحاديث نبوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن قالوا: بلى -ولا بد من أن يقولوها-، سئلوا: فإن كنتم تؤمنون أنه لم يرد للأمة أي حديث نبوي، فأخبرونا: كيف ورد هذا الحديث الذي استدللتم به؟! هل امتلك قدرة بارعة على التخفي عن عيون الرقباء ومهارة فائقة في التسلل لواذا حتى نجح في الإفلات من أيدي الحراس المترصدين وفي مغافلة الصحابة والتابعين فرارا إلى دواوين الحديث التي تنكرونها ، أم ربما أودعه النبي صلى الله عليه وسلم الهواء – خوفا عليه من الأعادى- فهو لا يزال يتهادى على موجات الأثير على مر الشهور وكر الدهور وتوالى الأزمان.. حتى ألقي-أخيرا- في يد القرآنيبن المستنيرين، سلاحا يشهرونه في وجوه المتنطعين المتزمتين عابدي التراث من أتباع السنة!!

فإن كنتم تنكرون صحة نسبة ما جاء في كتب الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا وثقتم في نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟كيف جاء؟ ومن أي طريق ورد؟! مالكم كيف تحكمون؟! أليس هذا تناقضا؟! .

(^) رابعها: وتناقض آخر؛ وهو أن مما يبني عليه محمد هداية إنكاره السنة اعتقاده أن ليس للرسول وظيفة إلا البلاغ؛ استدلالا بقوله تعالى:{إن عليك إلا البلاغ}[الشورى:٤٨] فنجده يكرر في غير ما مناسبة قوله :مستحيل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال شيئا غير القرآن، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم في نظر هؤلاء الدهماء ما هو إلا بوق يردد على مسامع الصحابة ما تلقفته آذانه من الوحي سماعا من جبريل عليه السلام. فإذا سلمنا جدلا بأن هذا صحيح، فلماذا تخلى النبي صلى الله عليه وسلم إذن عن نطاق وظيفته وخرج عن دائرة مهمته، فتحدث بهذا الحديث نهيا للمسلمين عن كتابة الأحاديث.أليس هذا يتناقض مع ادعائكم أن ليس للرسول مهمة سوى البلاغ؟!

(^) خامسها: وتناقض ثالث، هو مما بني عليه التناقض السابق بسبيل، وهو أن يقال لهم: ألستم تؤمنون بأنه ليس للرسول مهمة مع الوحي سوى البلاغ {إن عليك إلا البلاغ}، وأن هذا يستلزم أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال كلاما غير القرآن، وذلك ما تعتمدون عليه في إنكاركم السنة؟! فإن قالوا: بلى- ولا بد من أن يقولوها؛ إذ لا مفر أمامهم من الإقرار بها، ولا سبيل أمامهم غيرها- قلنا لهم ولمحمد هداية من بعدهم: إ ذن، فتعالوا بنا لنفسر الحديث بلازم المعنى، كما يحلو لك دائما يا هداية ؟

أليس ممن لوازم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين عن كتابة الحديث: أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم كلام غير القرآن، وأنه كان يلقيه على مسامع الصحابة تبيينا وتفسيرا للقرآن، وتوجيها لهم إلى ما يرشدهم إلى الخير في حياتهم، وأن هذا الكلام كان متفقا عليه أنه ليس بقرآن، وأنه كانت هناك حدود فاصلة بين هذا الكلام والقرآن الكريم؛ فلا التباس ولا خلط بينهما في أذهان المسلمين، وأن هذا الكلام الذي كان يلقيه النبي صلى الله عليه وسلم على مسامع الصحابة كان- بإجماع الصحابة- من القرآن بالمنزلة الأدنى ، وأن المسلمين رأوا في هذه الأحاديث نفعا عميما وخيرا وفيرا لهم في دينهم ودنياهم، فأحسوا بالحاجة إلى كتابتها؛ زيادة في حفظها والعناية بها، كما كانوا يفعلون مع القرآن الكريم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابتها؛ لئلا يضاهي بالقرآن شيئا، وصرفا للهم إلى العناية بالقرآن وحده؟!

أليس هذا كله من لوازم معاني الحديث يا محمد هداية ؟! فلو صح كلامكم أن رسول الله مبلغ فقط وأنه ليس له كلام غير القرآن، فما الذي هم المسلمون بكتابته فنهاهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.سبحانك هذا تناقض عظيم .

(^) سادسها: وتناقض رابع – وأخشى ألا تنتهي سلسلة التناقضات – ، وهو أنهم في استدلالهم على إنكار السنة بهذا الحديث إنما بنوا استدلالهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزلت آية من القرآن يتلوها على مسامعهم ليحفظوها في الصدور، ثم يستدعي الكتبة ليكتبوها في السطور ؛زيادة في التوثيق ومبالغة في العناية. فيتوجه إليهم بالسؤال:من أين علمتم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك عندما تنزل عليه آية أو أكثر من القرآن ؟!.إن ذلك لم يرد في القرآن الكريم الذي هو مصدركم الوحيد، وإلا فدلونا على موضعه.فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ثبت أنه لم يرد إلا من خلال الحديث النبوي الذي تنكرونه، فما بالكم تعتمدون في إنكار السنة على ما لم يكن لكم به علم إلا من خلال السنة ؟! أليس هذا من باب ما يقوله العوام في مثلهم العامي ( خد من دقنه وافتل له) .
سبحانك هذا بهتان عظيم، وإفك مبين..وتناقض عجيب.

هذا… وما زال العرض مستمرا مع (ضلالة هداية)
يتبع.. إنشاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى