هكذا عرفتُ معين
قمر عبد الرحمن
اللّقاء الأوّل
كان مساء يوم الأربعاء الموافق 29/1/2020 في مدينة الخليل بقاعة الغرفة التّجاريّة الصّناعيّة شمال الخليل/ حلحول، ضمن أمسية شعريّة أقامتها الرّابطة العربيّة للآداب والثّقافة بالتّعاون مع الغرفة، جمعت مجموعة من الأدباء والمثقّفين، ولحسن حظّي أنّي كنت عريفة الحفل ومُشارِكة آنذاك، لقد وصل الدّكتور معين جبر متأخرًا برفقة الدّكتور سعيد عيّاد رحمهما الله تعالى، بسبب أزمةٍ خانقةٍ في السّير.. عندها وقفنا جميعًا للتّرحيب بهما، وطلبت منّي رئيسة الرّابطة الأستاذة أسمى وزوز تقديمهما للتّحدّث
عندها قدّمتُ الدّكتور سعيد عيّاد بالكلمة التّالية:
“إنّ الجمال الذي يُستثمر فيك.. يبقى إلى ما بعد حياتك، كن على يقينٍ أنّ استثمار الجميل فيك.. يُثمر لك وريثًا في هذه الدّنيا.. وهذه التّجارة التي تمارسها أنت مع نفسك غير قابلةٍ للخسارة؛ فأقلّ مقادير ربحك أنّك ستحقّق الحياة السّليمة لنفسك.. شكرًا للرّابطة العربيّة على استثمار الجميل فينا.. والآن مع كلمة الرّابطة ورئيسها الفخريّ الدّكتور سعيد عيّاد”
ثمّ وقف الدّكتور سعيد، واعتذر من الحضور عن التّأخير، وشكر الزّملاء وأعضاء الرّابطة، وركّز في حديثه على وصيّته الشّهيرة “الجِدارُ الصّامِد وَالوَحيد للفِلسطينيّ هُو جدارُ الثّقافَة؛ فَالمُثقَّفينَ والأُدَباء هُم حُرَّاسُ وَعيِنا وَذَاكِرتِنا وَرِوايَتِنا التّاريخِيّة”
ثمّ قدّمتُ الدّكتور معين جبر بالكلمة التّالية:
“إنّ أغصان الزّيتون تُعلن نصرًا أبديًّا للسّلام، كالقمر الذي استطاع أن ينتصر على الخسوف ويحيا، وبهذا يُصبح المتنبّئون موضعًا للشّك، حينما يُعلن الزّيتون والقمر -النّصر المنتظر- والآن حيّوا معي الشّاعر القدير معين جبر”
ثمّ ألقى قصيدتين من ديوانه الورقيّ “عائد إلى الوطن” و”لماذا العتاب؟”
اللّقاء الثّاني
كان مساء يوم الاثنين الموافق 4/9/2021 في مدينة بيت لحم، في اليوم الثّاني لمهرجان القدس الثّاني عشر للأدب والنّقد والفن 2021 بقاعة فندق شبرد، ولحسن حظّي أيضًا اختارني الدّكتور عمر عتيق عريفة الأمسية لتقديم الأدباء والشّعراء المشاركين، وكان من بينهم الدّكتور معين جبر رحمه الله عندها قدّمته بالكلمة التّالية:
“إن سألتموني عن مكامن الحسن، أقول لكم: في وجوه المثقّفين، في عيونٍ تُشرق بالقصائد، وتتنفسُ الحرف النّابض بالوطن بين كلمة وأخرى، في سواعدٍ لا تتنازل عن القلم سلاحًا آخرَ وأخير في وجه العدو؛ فإن غابت البندقيّة..
-اكتب لتتحرّر- اكتب لتتحرّر ولا تضيّع الوقت، اجعل لكَ ابنًا من ورق، يرضعُ الثّورة ويرثُ الفكرة حتّى تتحرّرَ هذه الأرض، ولا تَقُل هَجَرني الأمل، على الأقلّ لا تَمُت قبل أن تقدّم واجب القضيّة. والآن مع الشّاعر الدّكتور معين جبر”
أمّا اللّقاء الثّالث والأخير
كان في مدينة بيت لحم، يوم السّبت الموافق 13/11/2021 بقاعة بيت العمل الكاثوليكيّ، لم أكن عريفة حفل وقتَها، كنت من المُشاركين ضمن فعاليّة مشتركة بين الرّابطة العربيّة ونادي حيفا الثّقافيّ، وبعد نهاية الأمسية الشّعريّة التقيت بالدّكتور معين وعزّيته بوفاة الدّكتور سعيد عيّاد، وتحدثنا قليلًا عن تأثّر المرء بفقدِ من يعرفه بعكس مَن لا يعرفه، وقبل وداعه أوصاني وقال: “لا تتوقّفي عمّا بدأت به.. فأنت قمرُنا.. وصوتُك مع الموسيقى توأمان” ثم طلب من الأستاذ صليبا الطّويل التقاط صورة لنا للذّكرى بجوّاله..
الدّكتور معين جبر رحمه الله تعالى
أوصاني بالاستمرار.. في الوقت الذي كان يُلحُّ عليَّ أغلبُ من حولي بالتّوقّف عمّا أفعل..
فلا فائدة من دعمِ قضيّة الأسرى.. ولا فائدة من مُساهمةٍ ما زالت عاديّة أمام المُساهمات الأكبر.. ولا فائدة من الكتابةِ والشّعر -حسبَ رأيهم-
“لكنّي أحبّ أنْ أحلم”
أحبّ أنْ أحلم دائمًا بغدٍ أخضر ومظلومٍ محرّر.. حتّى لو مُتُّ قبل ذلك لا يَهمّني.. ما يَهمّني ألّا أستسلم للبؤس المُحيط بي.. وألّا أتوقّف عن (صناعةِ الجمالِ للتّغلبِ على قبحِ هذا العالم)
ولا أخفيك يا دكتور معين.. أنّي بعدما كنتَ بَيننا هُنا وصرتَ هُناكَ في لحظة.. تمسّكتُ أكثر بفكرة الاستمرار؛ فالمرء فينا يختفي بلا تخطيطٍ عن الوجود بلحظةِ انتصارٍ للقدر.. ولا يبقى إلّا عمله وصوته الذي سُجّلَ يومًا.. وكِتاباته التي تركت أثرًا في النّاس حتّى لو كان النّاس شخصًا واحدًا آمن به..
كما أنّي صِرتُ على يقينٍ تام.. أنّ من يَودُّ النّجاح في وطنه عليه أنْ
يَبكي لوحدِه..
ويَفرح لوحدِه..
ويَستمر لوحدِه..
ويَنتصر لوحدِه..
وإذا
تجرأ وحَلُمَ حُلمًا كبيرًا..
عليه أنْ يَحلمَ بحذر!!
#قمرعبدالرحمن
رحلت جَسدًا وبَقيَ حرفُك وصوتُك شاهدَين على خلودِك
لنا الأثرُ الطيّب ولك المقامُ العالي
“هكذا عرفتُ معين” لمبادرة الأديب المقدسيّ ابراهيم جوهر الصّادقة لتوثيق ذكرى صديقه المقرّب الدّكتور معين جبر رحمه الله