تناقضات
هند يوسف خضر | سوريا
المسجد الأموي بريشة الفنان الانكليزي تشارلز روبرتسون
على امتداد الكون نجوم الّليل تتلألأ في حضن السّماء ،تلقي بضيائها بين يديّ الطّبيعة فتمنحها بعضاً من بريقها المتناثر كي تبدّد عتمتها القاتلة ،قطرات المطر تنهمر لتروي الأرض بعد عطشها الشّديد ،دفء يتغلغل في العظام رغماً عن محاولات البرد لمضاجعتها ..
فوق الأسرّة يغفو جفن عين ساهرة على رصيف النّعاس ليقاوم الثّاني رغبة النّوم وفي نفس التّوقيت الفاصل بين الأزمنة والأمكنة يذبل حلم ليزهر الآخر …
في نصف الكرة الأرضيّة نفوس عزيزة تمتلئ بالرّغبات وفي طريقها كي تصبح حقيقة ترتطم بجدار الواقع فيهشّمها ويحوّلها سراباً ،بينما في النّصف الآخر نفوس ضعيفة لها الدّنيا وما عليها ..
خلف حائط غرفة ،مريض يرقد على عتبات الألم فيعضّ على شفتيه ، يتعلّل بالرّجاء منتظراً إعلان لحظة شفائه وخلف جدار ثانٍ شخص سليم لم يزره المرض قطّ فأفقده نعمة الشّعور بوجع غيره ..
دروب الحياة تتّسع للمنافقين الّذين يتلاعبون بقلوب البشر وبعواطفهم ،يفعلون ما يحلو لهم متنكرين بقناع قد أخفى معالم وجوههم الحقيقيّة ،في حين تضيق السّبل أمام أصحاب القلوب البيضاء النقيّة والّذين لم يعرفوا سوى الصّدق مسلكاً فلا تلبث الحياة أن توجّه لهم صفعة ترافقهم مدى العمر ..
أثرياء خُلِقوا و في أفواههم ملعقة من ذهب ،يخلدون للنّوم وبطونهم ممتلئة حتّى أنهم رموا بكميّات الطّعام المتبقيّة خارجاً ،لن يشعروا أبداً بهؤلاء الفقراء الّذين يذهبون إلى فراشهم ومعدتهم خاوية رغم أنّ الشّقاء رفيق يومهم لتأمين لقمة العيش ..
ابن رضع الطّمع وحبّ الذّات فحصل على الحصّة الكبرى من إرث أبيه وذلك على حساب قسمة أخيه الّذي اكتفى بالقليل بدون أن يتفوّه بكلمة ..
من تهبه نظرك يحاول أو يصيبك بالعمى ومن تشعل له أصابعك العشرة يحرقك عند أوّل فرصة ..
غريبة هذه الحياة ، مكتظّة بالتّناقضات ،تجعلنا نفكّر أنّه ما من عدل على أرضها ولكن يد الخير ستبتر يد الشرّ ،سيُشهِر الحقّ سيفه في وجه الباطل ،لن يصبح الفحم أبيض ولا الدّموع حلوة المذاق ،ستبقى السّنبلة الفارغة متكبرة والممتلئة متواضعة.