شكراً أمنستي على تقريركِ المنصف الشجاع
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
في بداية شهر شباط الحالي، أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تقريرا شجاعا جريئا منصفا حول الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس) بما فيها أراضي ال 48، حيث اتهمت إسرائيل بصراحة وبعبارات قاطعة بإقامة نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين، ونزع ملكيتهم وإبعادهم وطردهم من منازلهم وهدمها، وتعذيبهم وحرمانهم من حق العودة وحرية التنقل، وحق المواطنة، وحق تقرير المصير، وحق التظاهر، واضطهادهم بشكل عام بشكل منهجي.
وكان من الطبيعي أن ترتج وتترنح الحكومة الإسرائيلية ودوائرها الحاكمة لوقع هذا التقرير الفريد من منظمة دولية محايدة تعنى بشؤون حقوق الإنسان على صعيد العالم، وهي تحظى باحترام وتقدير عالميين . ولم يكن تقرير امنستي وحيدا يتيما بل كان تتويجا لبيان هيومان رايتس ووتش الأمريكية في شهر نيسان من عام 2021 ، وتقارير جمعية بيتسيليم الإسرائيلية المتعاقبة، وتقارير لجنة الصليب الأحمر الدولي الخجولة، ومساعي منظمة البي دي إس الشجاعة عبر العالم. ولا ننسى الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدارعام 2004، وموقف المحكمة الجنائية الدولية وقرار مدعيتها السابقة فتيما بن سودا في العام الفائت، وقرارات مجلس الأمن وتحديدا آخرها قرار رقم 2334، وفقهاء القانون الدولي الأجانب الذين ناصروا القضية الفلسطينية أمثال القاضي الجنوب أفريقي اليهودي الديانة جولد ستون وتقريره عن الإجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 2008-2009، وماليسون الأمريكي وزوجه ومايكل لينك مقرر الأمم المتحدة المختص بحالة حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة. والقائمة طويلة ويصعب ذكرها في هذه المقالة . ولا يعقل أن كل هذه المنظمات والفقهاء والفعاليات عبثية ولا سامية وغير محقة.
وقد كانت ردة الفعل الإسرائيلية على تقرير أمنستي المكون من 211 صفحة، تكرارا للإسطوانة الإسرائيلية المشروخة، فقد اتهمت أمنستي بمعاداة السامية، وتكرار الأكاذيب، وتكيل بمكيالين، وأن تقريرها يبث الكراهية، وأن إسرائيل نظام ديموقراطي، وأنها ملتزمة بالقانون الدولي وتمارس فيها الحريات جميعا وعلى رأسها حرية الصحافة.
تقرير أمنستي الحديث يعد لبنة من لبنات الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي التي تتكاثر هذه الأيام على صعد مختلفة ومتعددة. ولا يقدح في صحة هذا التقرير التهم الإسرائيلية بانحياز وعدم حيادية أمنستي، فقد أصدرت في السابق بيانات ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وضد حركة حماس في قطاع غزة.
تقرير أمنستي أساس قوي لتأكيد التوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية الدولية وعدم إسقاطه أو التنازل عنه مهما كانت المغريات والضغوطات، ومن جميل الصدف أن أمنستي قد دعت أمنستي لهذا التوجه القضائي، وكأنها تؤيد الدعوات بالتوجه لهذه المحكمة، وفي الوقت ذاته ترد على تلك التوجهات القاضية بإسقاط التهم عن قوات الأمن الإسرائيلية وأركان حكومتها، في ظل تهاون النائب العام للمحكمة السيد ” كريم خان” البريطاني الجنسية الممالىء للصهيونية.
ومن الجدير ذكره أن أمنستي تدعو لتفعيل موضوع “الإختصاص العالمي” للقضاء المحلي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان والإبادة في تقريرها، بعد أن تقاعست دول عدة عن تطبيق هذا النهج القضائي الفعال ضد الذين يرتكبون جرائم خطيرة على مستوى العالم ويعتقدون بإفلاتهم من المسؤولية لمجرد لجوئهم لحكوماتهم كما حصل في أبو غريب وأفغانستان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
والأجمل أن أمنستي تدعو المجتمع الدولي أن لا يكتفي بالإدانات والقرارات وعبارات الشجب البليغة والأدبية ضد إسرائيل وسياساتها، بل تدعو المجتمع الدولي لمواجهة إسرائيل ومحاسبتها عن جرائمها بما يشمل ذلك فرض حظر شامل على تزويد إسرائيل بالسلاح والمعدات والذخائر واستصدار قرارا من مجلس الأمن مربوطا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
تقرير أمنستي يرى في إسرائيل نظام فصل عنصري، نظام قمع وهيمنة، نظام يامر بتعذيب الفلسطينيين، نظام يقمع حرياتهم، نظام احتلال طويل الأجل يفرض قيودا على الحركة الفلسطينية عبر الحق في التنقل من خلال حواجز منتشرة في كل الأماكن بما يفرضه ذلك من إهانات وسوء معاملة وعقوبات جماعية، نظام يرى في الفلسطينيين تهديدا ديموغرافيا للوجود الإسرائيلي، نظام هدم لا بناء يفرق العائلات الفلسطينية ولا يوحدها، نظام هدم للمنازل الفلسطينية والإستيلاء عليها والتقييد عليهم كما هو حاصل في الشيخ جراح ورخص البناء في مالقدس الشرقية ومنطقة سي بل طردهم خارج وطنهم.
الجميل في التقرير أن ما كانت تردده المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وما كان يردده القانونيون الفلسطينيون ليل نهار، وما كان يكرره الفلسطينيون البسطاء من خروقات لحقوق الإنسان الفلسطيني الأساسية، أضحى حقيقة تكرره منظمة العفو الدولية أمنستي من ورائهم. ليس هذا فقط بل طالبت إسرائيل بالتوقف عنه فورا، والعالم بالوقوف بوجهه.
بعد خمسين عاما ونيف من احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وبعد استلاب فلسطين بسبعين عاما يصدر تقرير شامل يعالج حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة. صحيح أنه تقرير متأخر ولكن أن يصدر متأخرا أفضل من أن لا يصدر. ونحن هنا نحيي الشجاعة الأدبية لأمنستي لإصدارها هذا التقرير، فلا أحد يخفى عليه قوة اللوبيات الصهيونية في أماكن عدة في هذا العالم الظالم ولنا في ذوي القربى مثالا حيا.
قلت في أكثر من مقال أن مثل هذا العمل والتقرير والقرار يشكل لبنة من لبنات العمل ضد الإحتلال، ويجب أن لا نعول عليه لوحده، فهو لبنة بسيطة في بناء عالٍ حتى لا نقع في خطأ تبسيط الأمور ونسقط وسائل المقاومة الأخرى في النضال ضد الإحتلال. فهذه مجموعة وسائل تجتمع معا لتسقط القوة العسكرية الطاغية تحقق حقوق الإنسان للشخص المستضعف الفلسطيني في ظل انفضاض كثير من الجمع المقاوم.
لا أجد أجمل وأقوى من كلمة “شكرا ” لمنظمة أمنستي لإصدار تقريرها الجامع المانع بوصفها إسرائيل كدولة نظام فصل عنصري في وجه صهينة وصمت عربيين. بل أجد لزاما أن أقول لأمنستي شكرا مرة أخرى على جهودك وموضوعيتك وحياديتك ونزاهتك فلولا الأمل لانفطر الفؤاد، أو كما قال الشاعر، أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل