نداء العطر

هند يوسف خضر | سوريا

شمسنا تودّع الكون البهيّ باستحياء، تلوّح له بأنامل خجلى، للوهلة الأولى تشعرنا بأنّها لا تطيق الوداع، تتلوّن بالحمرة خدود السّماء لتخبرنا خطوط الأفق بالكمّ الهائل من الوجد الّذي يسكن حنايا الشّمس ،كأنّ الغروب يريد الإفصاح عن الأشواق الّتي تنبض بها قلوب البشر،يفتح فمه ليغرز أنيابه بين الضلوع،لحظات موجعة تستنطق الكلمات،تبحر بنا في عالم الهمس وتعيد فتح أبواب عشق مخمليّ عرّشت عليها كروم الانتظار ..
في أزقّة الزّمان نوافذ شُرِّعَ زجاجها في وجه رياح النّواح والعويل ،وسائد غارقة في بحر الدّموع من حرقة الجوى والغمّ ،شرفات يغفو على زندها ألم الحنين الّذي يتنقّل بين بياض الياسمين و وله سلمى بذاك الشّاب المدعو قيس والّذي سلبها كلّ ذرّة حبّ تقطن في خلاياها ومن ثمّ شقّ مستقبله الدّراسيّ بالسّفر إلى بلد آخر ..
انقطعت أخباره ولم ينقطع حبل الوداد في قلب تلك الفتاة الّتي قبعت في زوايا الكآبة وبكت على الأطلال من بعده حتّى ظنّت أنّ شمسها لن تشرق مجدّداً..
هبّت نحوها رمال الضّياع،تقاذفتها أمواج الحيرة وغرقت في قاع الوجع ..
عدّة أعوام لم تستفق فيها على نور ،تمزّقت مراراً وتكراراً من دون أن يدري بها أحد إلى أن ابتسم القدر لها واستأصل حزنها بمشرطه، ذات نهار ناداها عطر خاصّ بينما كانت تمرّ بقرب مقعد جلسا عليه سويّاً ولو أنّ له لساناً لكان قد باح بكلّ أحلامهما ..
إنّها رائحة عطر قيس ،لن تخونني ذاكرتي ولن تغدر بي أنفاسي ،لم تكمل حديثها مع نفسها إلّا وكان ماثلاً أمامها وكأنّه لم يغادر أبداً ..
قيس :كعطرٍ جذّابٍ للحواسّ توجّهت إليكِ
سلمى :لأجل نفحات الطّيب هذه أعيش
قيس :لن أتفوّه بكلمة ،سأترك هذه المهمّة لعطري
سلمى :دعني أسافر مع أثير هذا الأريج ليروي لي حكايات عشقنا .
كان للعطر نداءً مغمّساً بالّلهفة ومفعماً بالحنين لن يسمعه إلّا من واعده الحبّ ذات مساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى