أغاني من الجليل للشاعر سعود الأسدي

بقلم: شاكر فريد حسن

ذكرتني الصديقة الأديبة شوقية عروق منصور بكتاب الأستاذ سعود الأسدي الأوّل “أغاني من الجليل” الصادر عن مطبعة الحكيم في الناصرة سنة 1976، وصدر بطبعتين فيما بعد. 

عُدْتُ إلى الكتاب بطبعته الثالثة التي كانت وصلتني هدية من الصديق الشاعر الكبير سعود الأسدي، الذي يُعد أمير القصيدة العامية المحكية، فكان أنيسي في ليلة الشتاء الماضية، حيث المطر والبرد، وجالت عيوني بين سطوره، ورحت التهم صفحاته، وشعرت بالدفء من حرارة قصائده الرقيقة الحالمة، التي تحمل طابعًا شعبيًا ريفيًا، واستمتعت أيما استمتاع في القراءة. 

وسعود العاشق للجمال والمرأة يقف في حضرة الشعر بخفر يليق بالعشاق والنساك، ملفعًا ببراءة العاشقين، وتحفل قصائده بفعل شعري طازج، ولغة فنية شبقة ورشيقة. فهو شاعر مبدع ورهيف يجمع بين العبقرية والبساطة الفنية، وكلماته تهتز بأحاسيسه، وتزدحم الاحاسيس في الكلمة الواحدة فتنطلق منها اشعاعات بمعانٍ أخرى منضوية في تلك الأحاسيس المتزاحمة في الكلمة الأولى، حتى ليخيل إلينا أن شاعرنا في غمرة شعورية شديدة، وهو ينطق بها بكل العفوية والشفافية الجميلة. 

إنه يغرينا ويجذبنا ويأسرنا بقصائده الريفية، ويعيدنا إلى مضارب الأجداد، وحكايات ستي، وأجواء القرية والريف الفلسطيني والحياة الشعبية. والمرأة في شعره هي بعد آخر للخصب والجمال والحياة، وغزله رقيق وهمس ناعم.  

ومن أجواء هذا الكتاب اخترت هذه القصيدة ذات النعومة وفي غاية الروعة والدهشة، ويقول فيها:  

تْمَنّيْت يا سَمْرا مَعَايِيْ تُقْعُدِي

عَ صَخْرِة الرّاعي وْقِليبي تِسْعِدَي

/// 

وُكُلْ ما أَرُوْح بْعيدْ واسْرَحْ في الخيالْ

تِبْقِي مَعَايِيْ سارِحَه وْما تِبْعِدِي

///

تمنّيت يا سّمْرا لو هْمُوم الدُّنَى

تِنْسَانا في لَحْظَهْ وِنِحيْا في هَنَا

///

وِنُطِير لَفُوق الغُيومْ إنْتي وْأنا

وْأصْعَد لَفوقْ فوق النُّجوم وْتِصْعَدِي

///

تمنّيت يا سمرا الجَلْسِهْ المُؤْنِسِهْ

بْظِلِّ البَرَاءَهْ يا عَبِير النّرْجِسِهْ

///

وِتْذَكّرِي عقلي إذا مَرّهْ نِسِي

يا دِنْيا شَتِّي ويا سَمَا ظَلِّي ارْعِدِي

///

تمنَيت يا سمرا تِجِيبي في المَسَا

وتْمسَحِي عن خاطِري ظِلّ الأَسَى

///

مِنِكْ شِبِعْتِ وْعُود لعلْ وْعَسَى

لَوْ تُصْدقِي مَرّة، وْبِكَفِّي تُوْعِدِي  

سعود الأسدي شاعر تراثي مبدع متميز ومتفرد، يعزف ويرقص على مزماره، لا يقلد ولا يحاكي أحدًا، وليس غريبًا أن يكنى بـ “أبنودي فلسطين”، فهو من حماة وحراس الذاكرة الفلسطينية الوطنية، وإبداعاته ونتاجاته تتعدى قيمتها الأدبية الجمالية، مغمسة بتراب الوطن وزهوره، بالزيت والزعتر، بالعلت والهليون، وبالزيتون والصبار. 

تحية حُب للصديق الشاعر سعود الأسدي “أبو تميم”، ونرجو له العمر المديد كي يظل يتحفنا بما هو جميل ورائع وماتع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى