علاج القلب الفاشل.. د. سليم حاج يحيى
سهيل كيوان | فلسطين
زارتني هواجس كثيرة خلال محاضرة ممتعة بعنوان «علاج القلب الفاشل»، ألقاها جراح القلب العالمي، الأستاذ الفلسطيني سليم حاج يحيى، لا أستطيع الإحاطة بكل تلك الهواجس التي راودتني خلال الاستماع للمحاضرة، لكن حاولت تذكر بعضها وإضافة جديد قد طرأ عليها.
نجح الإنسان في زراعة قلب صناعي، لكن القلب الصناعي الأول كان ضخماً، وكان المريض مضطراً لأن يبقى في المستشفى، لأنه لا يستطيع نقل قلب بحجم غرفة نوم إلى بيته، إضافة إلى طاقم العمل، كانت في البدايات مشكلة تخثّر الدماء في هذه الأجهزة، ما كان يؤدي إلى انسدادات ووفاة بعد بضعة أيام، ثم بعد بضعة أسابيع، ثم أشهر وسنوات، فقد تطوّرت خلال هذا صناعة القلوب، وصار بإمكانك حمل قلبك تحت إبطك أو على ظهرك في حقيبة. هناك جهود كبيرة لصناعة قلوب تجارية، تفي حاجة السّوق، والآمال معقودة على قلوب أصغر فأصغر يجري العمل على تطويرها لتصبح خفيفة جداً، وسبب الحاجة هو قلة المتبرعين بالقلوب على صعيد عالمي مقارنة بأعداد المصابين بفشل القلب، إذ يموت في كل عام حوالي ستة وسبعين مليون إنسان نتيجة هذا الفشل.
في اعتقادي أنه بعد خمسة عقود، سيكون القلب الصناعي متيسِّراً في عملية جراحية آلية بسيطة، مثل عمليات القسطرة وتكسير حصى الكلى في هذه الأيام.
عندما كنت أسمع بالقلب الصناعي، كنت أتخيّله مثل لعبة بلاستيك تحاكي القلب بأقسامه وشرايينه وأوردته، مثل لعب الأطفال التي تحاكي القطار ومقاعده والسائق والمسافرين، جهاز يشبه القلب في شكله وتفاصيله من بلاستيك أحمر وأزرق، يبدو أنها فكرة طفولية، حتى أنني لم أفكّر بمصدر الطاقة التي ستشغّل هذا الجهاز.
صار حجم القلب الصناعي صغيراً، بحيث صار يمكن زراعته داخل القلب الطبيعي للمريض ليتحمّل المسؤولية مكانه، وليس هنالك شكُّ، بأنه سوف يصغر أكثر وأكثر، حتى يصبح مثل أجهزة التنصت والتصوير التي تستخدمها أجهزة المخابرات في كثير من الأنظمة المنحطة للتجسُّس على خصوصيات مواطنيها.
يضخ القلب الصناعي ستة لترات من الدماء في الدقيقة الواحدة، أي أنه يضخ أكثر من 8500 لتر في اليوم، وهذا يحتاج إلى بطّاريات، وعلى المريض أن ينتبه إلى بطارياته، واستبدالها في الوقت المناسب، لأن البطارية تعمل لمدة ست ساعات، يعني ممنوع أن تخرج من البيت من دون بطاريات احتياطية، طبعاً هناك عمل حثيث لتكون البطاريات أقوى وأكثر استمرارية.
للبطاريات ميزة، بأنه حتى لو مات الإنسان علمياً، أي توقّف دماغه عن العمل، فالقلب الصناعي لا يتوقف، لأنه لا يعمل بأمر الدماغ، وسوف يتواصل تدفّق الدماء ما دام أن البطاريات لم تفرغ ولم يجر عزلها أو وقفها، مثل جهاز الهاتف في جيب صاحبه، سوف يستمر في تلقي الرسائل والرنين بصورة عادية حتى لو دَهسَ قطارٌ صاحبَه.
تدعو إنجازات الجراح سليم حاج يحيى ابن مدينة الطيبة في مثلث فلسطين الذي درس الطب في معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) في حيفا، فقد أجرى الكثير من عمليات زراعة القلوب الصناعية والرئات في صدور أناس من جنسيات مختلفة، ابتداء من غلاسكو في بريطانيا عام 2011، اتخذه الجرّاح العالمي مجدي يعقوب زميلاً له، أجرى عمليات زراعة قلب ورئتين في كثير من الدول عربية وأجنبية، وأسهم في تأسيس أقسام لزراعة القلب والرئتين في تركيا واليونان، وأجرى عمليات زراعة في عمّان وعُمان وبيروت والرِّياض والكويت، وهو أول من زرع قلباً في أحد مستشفيات فلسطين، وهو عضو شرف في الجمعية الملكية للجراحين في بريطانيا، والجمعية الملكية للجراحين في غلاسكو، وشغل منصب الرئيس التنفيذي للمستشفى الجامعي في نابلس.
لا يخلو الموضوع من نهفات وفكاهة، كانت زوجة أحد من أجرى لهم زراعة قلب تنام إلى جانب سرير زوجها في فترة علاجه من شدة إخلاصها له، لكنّه تغيّر بعد نجاح زراعة القلب، وبعد عام أحبّ امرأة أخرى، وصارت الزّوجة المخلصة تتصل بالسّيد سليم وتسأل إذا ما كان القلب الجديد هو سبب تغيّر عاطفة زوجها تجاهها.
إضافة إلى الموضوع العلمي الشائق، قدّم المحاضر رسالة أخلاقية عن علاقة الطبيب المعالِج مع مريضه، فإذا كان طفلاً أن يعامله مثل ابنه، وإذا كان قريباً من سنِه فهو شقيقه أو شقيقته، وأكبر فهو والده أو والدته، فالعلم مهما تقدم لا يُغني عن الأخلاق.
ودعا الأطباء العرب إلى الإبداع، وأن لا يتوقّفوا عند عمل الطِّب التقليدي رغم أهميته، بل السّعي للمزيد من التخصُّصات والإبداع فيها.
ذُكرتْ خلال المحاضرة إحصائيات مهمّة، فنسبة العاملين الفلسطينيين في المجال الطبي في إسرائيل مرتفعة، وأكثر من نسبتهم من عدد السكان، ولهذا تسعى دولة إسرائيل إلى جذب أطباء يهود من كل أرجاء العالم وتغريهم بالمِنح المالية، كي تُخضِع المجال الطبي إلى ما تسميه التوازن الديمغرافي، وهو توازن عنصري بذيء، ينضوي تحت لوائه آخر القوانين العنصرية التي تمنع الأسر الفلسطينية من لمِّ شملها، الذي صودق عليه قبل أيام قليلة.
من الأسئلة التي أراد أن يعرفها الجمهور لماذا صمَّامُ قلبِ الخنزير أقرب إلى صمام قلب الإنسان من حيوانات أخرى! أنا أقول: اسألوا حالكم! وما هو موقف الدين من صمّام قلب خنزير في قلب إنسان؟
-لقد حرّم الله لحم الخنزير على اليهودي والمسلم، لكنه لم يحرِّم عليهم استخدامه، والروح هي القيمة العليا التي يجب الحفاظ عليها وإنقاذها، ليس فقط من أمراض القلب، بل من أمراض العنصرية وجرائم الاحتلال.
عندما كان الجرّاح يتحدث عن القلوب الصناعية، شرد فكري إلى الصناعة والتقدم التكنولوجي الذي نحتاجه، وهو تساؤل طرحه المتابعون العرب في شبكات التواصل خلال التجربة المريرة التي مر بها الطفل ريّان المغربي، لقد كان تذكيراً بالحاجة الملحة إلى التكنولوجيا المتقدمة والإبداع الصناعي إلى جانب الابتهالات الكثيرة والصادرة بالفعل من القلوب المُحبّة، لقد أعاد ريّان صناعة وتجديد قلوب أمّة كان البعض يظنّها قد صدِئت، لكنها دعوة قوية للتطور التكنولوجي.
كثيرون تساءلوا، ماذا لو كان هذا الحدث في الصين؟ برأيي أننا يجب أن ننتظر سقوط فيلسوف صيني في بئر على عمق مشابه، كي نتيقّن حينئذ من شطارة الصينيين، رغم أن آجال هذه الأقوام أيضاً مكتوبة مثل آجال العرب، إذا جاء أجل الصينيين فهم أيضاً لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وفي الوقت ذاته، نقول إن درهم وقاية للقلب خير من قنطار قلوب صناعية، اللهم أبعدنا عن الحكومة والحكيم، ووضع سياجٍ حول بئر خيرٌ من ألف حفّارة متقدِّمة.