عنب الشاعر شفيق حبيب عصيره دموع على العروبة وخمره غزل رطيب
زياد شليوط
بداية أشكر الشاعر القدير شفيق حبيب، على اهدائه لي ديوانه “ما أمر العنب”^، في زيارة شخصية لبيته بصحبة الكاتب الصديق محمد علي سعيد، ورغم المأخذ في اخراج الديوان، والذي وافقني عليه الشاعر، الكامن في حجم الخط الداخلي واخراجه، والذي يجعل القراءة عملية غير سهلة، إلا أن أبواب الديوان الأربعة (ليس عندي سلاح، معزوفات المساء، نصفي الأجمل، على أجنحة الوجد) شدتني إلى قراءته وخاصة الباب الأول.
أول ما يلفت الانتباه عنوان الديوان، حيث جعل الشاعر العنب مرّا جدا، والمعروف أن العنب من الفواكه الحلوة الطعم، ولهذا أرفقه بعلامة التعجب، مما يشير إلى صدمة الشاعر بهذه الفاكهة الحلوة وقد تحولت إلى مرّة بل مرّة جدا، وكأني بالشاعر يستمد عنوان الديوان من الباب الأول منه، فهذا الباب والذي حمل عنوان “ليس عندي سلاح”، ينضح مرارة بقصائده التي تحمل خيبة أمل كبيرة من الواقع العربي الذي نعيشه في السنوات الأخيرة، وخاصة في التسمية الخاطئة لبعض التحركات الشعبية مثل “الربيع العربي”، التي حولت الأرض العربية إلى أرض تنضح مرارة وقحلا، جعلت الشاعر يشعر بالمرارة الشديدة من هذا الواقع، وتكاد لا تمر قصيدة من هذا القسم دون الإعلان عن خيبة الأمل أو الإحباط من ذاك الواقع الأليم.
ولا يتسع المجال، في هذه العجالة، بأن أتوقف عند كل قصيدة، وأكتفي بأمثلة مختصرة تدلّ على ما أشرت اليه. في قصيدة “يا أبا نواس” يخاطب شاعرنا الشاعر أبا نواس، طالبا منه أن يخرج من قبره ليرى حالنا اليوم وما آلت إليه بلادنا التي كنا نتغنى بها:
“وأصبحت ديارنا..
مسارح التدمير.. والتهجير..
والضياع والجناح
جاؤوا حثالات من الغابات
بالسيوف والرماح
فكلّ أمر عندهم مباح
لا الدّين قادر أن يردع
الذئاب للصلاح” (ص 25-26)
وهذا ما فعلوه في سوريا حيث عاثوا فيها خرابا وقتلا ودمارا. وأقسى ما يصل اليه الشاعر في خيبة أمله، جاءت من الشعوب التي عوّل عليها كثيرا، لذا يطلب الشراب كوصفة للنسيان:
“أعطني كأس جعة
علني أنسى مآسينا
وأحزان البلاد المفجعة
علني أنسى مفاهيم الشعوب الخانعة” (ص 27)
وكيف لا يصاب الشاعر بخيبة أمل من عروبة بات زمانها:
“زمن الدسائس
والموامس
والدواعش
والفواحش” (ص 34)
وباتت تسير إلى حتفها خانعة ذليلة.
ولا يبقى في الساحة العربية الغارقة في الذلّ والهوان، سوى بصيص أمل يتمثل في الدولة السورية التي قاومت وصمدت أمام آلة التدمير الهمجية، وعلّمت العالم معاني التصدي والتحدي والشهادة، كما جاء في القصائد: “أيها السوري” ص 59 و”دمشق” ص 60 و”حلب” ص 61.
والسقوط لم يكن من نصيب الشعوب فحسب، بل من بعض حملة الأقلام مما ضاعف من ألم شاعرنا شفيق حبيب، خاصة أنهم يتحدثون باسم الأدب والإعلام ويزورون الواقع بسمومهم، فقال فيهم:
” باسم الأدب وباسم الإعلام
أقلامٌ تسرحُ مثل النّوقِ
وأخرى تمرحُ كالأغنام
ديدنها السّوءُ..
ونفثُ السّمِّ..
وبترُ شرايينِ الأرحام..
هذي الأقلام
لا تعرفُ غيرَ النّبشِ
وغيرَ النّهشِ..
وغيرَ البحثِ عن الأورام” (قصيدة “أقلام” ص 18-24).
فتلك الأقلام في حقيقة الأمر ما هي إلا ” أصنام.. أصنام/ لا تعرف غير الحقد/ وغير اللؤم/ وغير المكر/ وغير مشاريع الألغام/ أقلام تنعق كالغربان/ وتنبذ موسيقى الأنغام”.
أما قصائد الأبواب الأخرى فقد تناولت مواضيع اجتماعية وعائلية ومناسبات شخصية وغزليات لطيفة، دلّت على اجادة شاعرنا للشعر العاطفي كالسياسي، ومثال على ذلك تلك التحية التي يرسلها صادقة الى “رفيقة العمر” التي شاركته حياته بحلوها ومرّها:
“رفيقة الدّربِ! هل أعيتك أسفاري؟
أم قصّر القلبُ من أثقالِ أخباري
حسبي من العمر أن شاطرتني قدري
حسبي حنانك في حلّي ومشواري
أهواكِ ملءَ شراييني وأوردتي
توجت عمري بالأخلاقِ والغارِ (ص 94)
وفي الغزليات من قصيدة “البعث”
“أجملُ ما في الكونِ الأنثى..
إن حضرت..
تبتهجُ النّارُ وتغدو غيثا..” (ص 142).
شفيق حبيب شاعر قدير ومتمكن من الشعر والعروض، وهو لا يحتاج لشهادة مني، ولا يبقى لي إلا أن أتمنى له العمر الطويل والصحة الدائمة ليواصل مشواره الأدبي الغزير ويتحفنا بإصدارات جديدة.
^شفيق حبيب – ما أمرّ العنب، دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس، الطبعة الأولى 2017