“سالم علي سعيد” لحن عُمان الذي لا يموت
لبيد العامري | شاعر عُماني
يصدح المذياع بصوتك العذب فنهرع متجمعين ناحيته بعدما كان كلٌّ منّا في عالمه. “الفنان المتميز صديق أبي” أجل هكذا كنت أناديك. لم أكن أعرف اسمك حينها؛ لكن كل ما أعرفه أن أغنياتك كانت جاذبة ومحبوبة لنا جميعاً في البيت، دون استثناء.
نستمع بحب إلى صوتك الشجي المندغم بإتقانٍ وتمكن مع الإيقاع الموسيقي الباهر، فيما نهر الفرح النابع من أعماق قلوبنا المحبة يغمر صالة الجلوس، فيغسل أرواحنا، يُدفِئُنا، ويغرقنا في أمواجه الموسيقية العذبة.
في ذلك الوقت لم أكن أعرف فناناً عمانياً غيرك، كنت أعرفك أنت وحدك، الفنان الموغل في الحب والجمال، النافث نسائمه في الأرواح، المطفئ حرائق الشوق، الممطر دموع الأحاسيس الدفينة، والراسم ملامح السعادة في الوجوه المتعبة. إنه الفنان القدير الراحل سالم علي سعيد.
أتذكر، أحياناً، أنني كنت أسمعك لوحدي، وبالخصوص أغنيتك الرائعة المنقوشة على جدار القلب “عِش سعيد”، فلا تلبث روحي حتى تطلق العنان مرفرفةً عالياً، كطيرٍ محلقٍ إلى حيث عبير النغم و الكلمات والأداء الآسر يعطر الفضاء، والاخضرار يعشوشب في الأرجاء، والريم تتقافز برشاقة كراقصة باليه، وكأننا في الفردوس المشتهى.
آه أيها العم سالم، كم أفرحتنا وأبكيتنا في آنٍ معاً، وكم كنّا نقول، ولا زلنا نردد، أنك لم تكن فناناً عادياً، ولم يكونوا أفضل منك، بل كنت تقارعهم وتتفوق عليهم؛ لكننا نعلم، وأنت كنت تعلم كذلك، أنّ هنا الإرادة وبعض القلوب المحبة هي وحدها الدافع والعزاء للمبدع الحقيقي.
ها هو قطار السنوات المتعاقبة سار بنا سريعاً، فيما انفرطَّ أنت منه وحدك إزاء دفعة همجية من ذلك المتوحش الخبيث(مرض السرطان).
في ذلك اليوم المأساوي الصادم بالتحديد، لم أرَ أبي، رفيق دروبك، يبكي على ذلك النحو المؤثر الحرّاق والطويل، من قبل.
هأنذا اليوم كبرت، وكلما سمعت أغنية لك أو لرفيقك الفنان القدير الراحل “حكم عايل”، أو أصوات مبدعة عمانية أخرى، أحزن كثيراً، ليس لأنكم ذهبتم إلى العالم الآخر بهذه السرعة فقط، بل أيضا لأن على سطح تراب بلادي كان ثمة جواهر فريدة ونفيسة، لا يكررها الزمان، لكن للأسف، الأسف اللامتناهي طبعاً، لم يأخذ بيدها ويحتفي بها أحد، بالشكل الذي تستحقه، حتى جرفتها رياح الزمن العتيدة.
لروحك النقية الرحمة والسلام والطمأنينة.