الفنان إسماعيل الدباغ.. حالة فنية لها خصوصيتها وفرادتها في العمل الفني الإبداعي؟
محمد زحايكة | فلسطين
منذ عرضه مسرحية “الزبال” التي أبدع فيها.. والفنان المقدسي اسماعيل الدباغ أخذ يستهوي الصاحب وبات على الشاشة وعلى الرادار، حيث إن روح قلب الصاحب تكمن في حاجتين اثنتين وهما دغدغة عواطفه وزغزغة قلبه، بكاء وضحكا.. فهذا هو مقياس الصاحب الأساسي في الحكم على المنتج الفني.. وبالفعل فإن هذه المسرحية وهي من ممثل واحد وجاءت في قالب المينودراما أو الميلودراما كما تلفظ أحيانا حسب التمكن من المفاهيم والمصطلحات المسرحية وعالم المرسح.. هذه المسرحية حكت للصاحب على جرب فهي ابكته واضحكته ، وكان اسماعيل الدباغ هو الذي أضحك وأبكى.
بعد هذه المسرحية تراءى للصاحب الباهر اللاهب.. أنها ربما أحدثت انعطافة في مسيرته المسرحية والفنية حيث ذاع صيتها في ذلك الوقت وراح الفنانون وبعض النقاد يثنون على اداء الممثل الموهوب ويتنبأون له بمستقبل فني عريض ويشيدون بمضمون المسرحية المعجون بخلطة سحرية من عوالم القدس وحكاياتها البديعة.. ثم جاءت مسرحية أنصار 3 كما يظن الصاحب وبعض ظنه إثم، بمشاركة الفنانين اسماعيل الدباغ ونضال الخطيب وإخراج فاتح عزام لتكون صرخة أخرى تدوي في الآفاق وتنتزع الإعجاب وتثير حالة من الابهار .. في هذه الاثناء ، اقترب الصاحب من الفنان الدباغ الى حد ما، الذي نشط في عدة مسارات فنية وبدأ يجتهد في سياق تشكيل فرقة مسرحية اظنها الرواة حيث تجمع حوله عدد من الفنانين الجدد على ما يتذكر الصاحب بعضهم، عبد السلام عبده وناصر مطر والكاتب الصحفي والناقد المسرحي المقل والكسول المتكاسل محمد صبيح الذي طالما اشاد بطاهرة الدباغ الفنية.
ولست متأكدا اذا كان الفنان المعروف خالد المصو قد واكب مسيرتهم هذه لفترة من الزمن ام ان الصاحب يتهيأ له ذلك ، وحاول الدباغ انتهاج طريق فني مسرحي ناقد وحاد ، متوثبا كالنمر في الغابة ، لشن هجوم كاسح على شارع ” فساد الدين” ولكنه عاد من الغنيمة بالاياب كما يبدو حيث اننا في نهاية المطاف.. ندرس ونحرث لبابا بطرس كما يقال. ومع بدايات توجهه للإنتاج الدرامي التلفزيوني الذي كان سباقا فيه إلى حد ما من خلال مسلسل باب العمود من حيث صناعة منتج فني متكامل بجهود ذاتية بسيطة ومن قلب القدس العتيقة، حاول الدباغ شن هجمات ضارية على اصحاب القرار والمتنفذين في الشأن الثقافي الرسمي، علهم يتحركون لايلاء الدراما المحلية والنتاجات الفنية المحلية عنايتهم واهتمامهم ولكنه كان كمن ينفخ في قربة مخزوقة ومخروقة او يطبل عند أذان طرشان. والذي فهمه الصاحب أن الدباغ واصل مغامرته الفنية في الإنتاج على مسؤوليته الخاصة وبالكاد حصل على ما يسد الرمق من دعم رمزي لمواصلة ابحاره في لجة الانتاج الفني المكلف والذي تمخض عن ثلاثة أجزاء من مسلسل باب العمود عرضت في رمضانات متتابعة في السنوات الأخيرة محليا وخارجيا .
وفي ظل غياب حركة نقدية فاعلة لتقييم هذه الأعمال الفنية، بقيت الأمور عند حد الانطباعات الشخصية ، فهناك من يمجد بهذه الأعمال ويرى ان مجرد كون احداثها تتم في القدس العتيقة فهذا انجاز مهم وغير مسبوق، ويسجل لصالح الفنان الفلسطيني عموما وهناك من يرى ان هذه الأعمال قاصرة ودون المستوى ، متناسيا ومتجاهلا قلة الإمكانيات والظروف العصيبة التي يعمل ويبدع فيها الفنانون الفلسطينيون الذين يفتقرون الى الداعم والسند الحقيقي. الفنان اسماعيل الدباغ أرسى حالة فنية فلسطينية يصعب التنكر لها او تجاهلها رغم ما قد يعتورها من عثرات وهنات، وهو على الصعيد الشخصي فنان موهوب ويتمتع بملكات جسدية مثل تعبيرات الوجه المتنوعة والجسد الفارع النحيل الذي كان يذكرنا احيانا بالفنان محمد بكري في مسرحيته المنودرامية يوميات سعيد ابي النحس المتشائل للكاتب الكبير اميل حبيبي وهو يناجي مكنسته العجيبة.. إسماعيل الدباغ.. فنان من نوع خاص.. له اجتهاده الفني واسلوبه في العمل البعيد عن الاضواء عموما ، وكأنه من المؤمنين بفلسفة الفنان السوري الكبير ياسر العظمة صاحب مسلسل مرايا ، التي تؤمن بأن أعمال الفنان تتحدث عن نفسها، ولكن هذا للأسف لا ينطبق على واقعنا الفني الفلسطيني الذي يفتقر الى حركة نقدية نشطة وفاعلة واعلام مثابر ، ومنابر فنية قادرة على ترويج الاعمال الفنية وانتشار الفنانين ، فاعلامنا الفني ما زال طفلا يحبو على أربع وبحاجة الى كثير من فت العدس حتى يمكن له مواكبة الحركة الفنية واسنادها والمساهمة في انتشارها جماهيريا محليا وعربيا وعالميا .. وحتى ذلك اليوم .. يا الله السلامة.
الفنان اسماعيل الدباغ.. فنان قد يبدو منعزلا ويغرد خارج السرب الفني الا انه يراقب المشهد الفني من ” تحت لتحت ” او من عل، وينغمس في معمعانه على طريقته الخاصة.. وهو فنان مبهج ومفرح، لديه مقدرة على صناعة كوميديا الموقف وصنع ومضات تراجيدية تترك أثرا في النفس إلى جانب قدرته على اثراء الثقافة الفنية بما يملكه من حضور في المشهد الفني والثقافي الذي يحاول ان يكون جزء منه وركنا اساسيا فيه بنكهة مميزة وخاصة ومختلفة . وقد نجح الفنان الدباغ عبر مسيرته الفنية في امتاعنا وشد انتباهنا الى اهمية المسرح والفن الدرامي في توعية وتثقيف الجمهور خاصة تحت نير الاحتلال . وطالما حث الصاحب على أن يجتهد ويقدم نتاجا ساخرا من مشاهد الحياة اليومية ، لعله يصلح ليكون مادة فنية ممتعة ومفيدة في يوم من الايام . الفنان اسماعيل الدباغ حالة فنية لها خصوصيتها وطريقتها في الإبداع لا يسعنا الا ان نقدرها ونعبر لها عن شكرنا على ما اتحفتنا به من ألوان الإبداع الفني .