تركيا وإسرائيل: المصالح أولا

نهاد أبو غوش | فلسطين

لمناسبة زيارة رئيس دولة الاحتلال الاسرائيلي اسحق هرتسوغ بداية لتركيا بعد عقد من التوتر الظاهر، تنبغي الاشارة إلى أن العلاقات التركية الاسرائيلية قديمة ومتداخلة، وهي تشمل اهتمامات وجوانب كثيرة سياسية واقتصادية واستراتيجية أمنية. وكانت تركيا اول دولة ذات أغلبية سكانية مسلمة تعترف باسرائيل في العام 1949، وقد تطورت العلاقات في مختلف المجالات ووصلت الى درجة أن تركيا باتت خامس شريك تجاري لاسرائيل بحجم تبادل يصل لنحو 7 مليار دولار في السنة، حتى في ظل التوتر الذي جرى مع تسلم حزب العدالة والتنمية للسلطة، والذي بلغ مداه في الاعتداء على اسطول الحرية لفك الحصار عن غزة وخاصة الهجوم على السفينة (مرمرة). ظلت العلاقات التجارية والامنية العسكرية قوية حيث لم يتاثر التبادل التجاري، ولا التنسيق الامني والعسكري وظلت المناورات المشتركة والزيارات المتبادلة للقادة العسكريين قائمة، لذلك يمكن ان نفهم العلاقات بين تركيا واسرائيل بانها قائمة على مصالح عميقة مشتركة، ولكنها تشهد توترات سطحية، التوترات هي اقرب للتنافر بين طرفين متنافسين وليس عدوين او خصمين، والبعض يربط التوتر السياسي بالجانب الشخصي بين الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
اردوغان يغلب المصالح القومية لتركيا، في الماضي كانت أنظار تركيا متجهة غربا نحو اوروبا لكنها قوبلت بالصد، فاتجهت لتعزيز مكانتها في محيطها الشرق اوسطي والعربي الاسلامي ( وهو توجه يعزز مكانة تركيا الدولية وبالتالي يعزز موقفها تجاه الاوروبيين) فاصطدمت باسرائيل التي تسعى للهيمنة على المنطقة وتقديم نفسها كقوة رئيسية حامية للانظمة المعتدلة في مواجهة ايران، العوامل الاقتصادية الداخلية مهمة، لكن تركيا مثلها مثل كثير من دول العالم ونخبها الحاكمة ، تعتقد ان اسرائيل هي وسيط ممتاز لها في تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة من جهة واوروبا الغربية من جهة اخرى، كما أن هناك عوامل مستجدة في المنطقة وخاصة نشوء محور اسرائيلي يوناني قبرصي، وهذا ما رأت فيه تركيا تعزيزا لخصومها وتهديدا لنفوذها وخاصة ان الحلف يرتبط كذلك باتفاقيات مبدئية لنقل غاز شرق المتوسط لاوروبا.
هل يؤثر ترميم العلاقات على وجود قادة حماس داخل تركيا وهل سيضحي اردوغان بعناصر الحركة مقابل مصالح بلاده والتى تشهد تهاويا خاصة على الصعيد الاقتصادى؟
مؤكد أن تحسين العلاقات التركية الاسرائيلية سوف يؤثر على وجود قادة حماس (وخاصة المحسوبين على الجناح العسكري) وحرية عملهم في تركيا بالاضافة لوجود منابر اعلامية متعددة في تركيا مقربة من حركة حماس، يمكن ان تلجا تركيا الى تخفيف نشاطات حركة حماس بالتدريج وهي ليست معنية بحالة قطيعة مع حماس او استعداء هذه الحركة التي تمثل قطبا مهما على الساحة الفلسطينية والعربية والاسلامية، في نهاية المطاف اردوغان وقيادة تركيا معنية بمصالح تركيا واعتقد ان اي تحسن في العلاقات التركية الاسرائيلية لن يتطور مع وجود حركة حماس وحرية حركتهم على الساحة التركية، مؤخرا شهدنا امرا مشابها تجاه قيادات الاخوان المسلمين المصريين حيث تزامن تحسن العلاقات التركية المصرية مع التضييق على حرية عمل القيادات التركية على الساحة التركية.
ما هو موقف حماس فى حال أقدمت تركيا على طرد بعض من القادة خاصة العسكريين المتهمين بتوجيه الخلايا في الضفة.
اعتقد ان حماس غير معنية باستعداء تركيا التي سوف تبقى قطبا اقليميا مركزيا واسع التاثير، وسوف تجد الحركة بدائل لأماكن اقامة قادتها ، كل القوى والاطراف الفلسطينية معنية بعلاقات جيدة مع تركيا وتتعامل معها باعتبارها دولة شقيقة مع ان تحسين العلاقات مع اسرائيل في هذا الظرف بالتحديد يضر بالقضية الفلسطينية ويصب في مصلحة اسرائيل التي لم تتغير سياساتها القمعية والعدوانية والتوسعية فهي ما زالت تحاصر غزة وتحرم المواطنين من ابسط حقوقهم الانسانية في الكهرباء والماء والسفر والعلاج، كما انها تواصل تنفيذ المخططات الاستيطانية الكبرى، وهي ماضية في تهويد القدس وانتهاك حرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الاقصى.
هل ستعمل حماس على إفشال خطة التقارب التركي الإسرائيلي ؟
أظن أن قدرات حماس محدودة في افشال خطة التقارب التركي الاسرائيلي، هذا الامر مرتبط بموقف الشعب التركي ومؤسساته السياسية، اذا كان ثمة من فائدة جوهرية هنا فهي عقم الرهان على اي محور اقليمي سواء كان غربي الميول او شرقيا، رهان اي حركة فلسطينية يجب ان يكون على شعبها وعلى مؤسساته الشرعيةن وبالتالي لا بديل امام حماس وغيرها من القوى سوى العمل لانهاء الانقسام
ما هي ابرز المصالح التى تدفع تركيا إلى التقارب مع إسرائيل وتقديم خطوات إيجابية خلال الفترة السابقة؟
هناك تعاون عسكري وامني عالي المستوى بين الطرفين وهذا يجري منذ عقود حين كان الطرفان جزءا من الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، تركيا عضو في حلف الناتو واسرائيل تملك مكانة العضو ولكن بدون التزامات من طرفها، كما أن هناك تبادلا تجاريا واتفاقيات ثنائية في مختلف المجالات العلمية والثقافية والتجارية وفي مجالات النقل والمواصلات، تركيا هي الوجهة السياحية الاولى المفضلة لدى اغلب الاسرائيليين بسبب قربها وتكاليفها البسيطة، تركيا تصدر لاسرائيل بضائع بقيمة 5 مليار دولار سنويا، واسرائيل تصدر ما بين 1.5 – 2.0 مليار سنويا، من الافكار التي يتداولها الطرفات مد انابيب نقل الغاز من شرق المتوسط الى اوروبا عبر تركيا
فى موضوع نشاط تركيا فى القدس واعتراض إسرائيل عمل الجمعيات التركية هل ستشهد تراجع ولو بشكل محدود؟
اسرائيل لديها خطة واضحة وشبه معلنة لتهويد القدس وتغيير طابعها التاريخي من مدينة متعددة ذات تراث عربي اسلامي مسيحي الى مدينة اسرائيلية يهودية، تركيا كدولة اسلامية كبيرة وبحكم العلاقات التاريخية مع فلسطين والقدس وما يكنه الشعب التركي من مشاعر خاصة تجاه القدس معنية بدعم المؤسسات الثقاقية والدينية والخيرية في القدس، وهنا سوف تصطدم من دون شك مع القوى والاطراف الصهيونية اليهودية المتطرفة، ولكن في نهاية المطاف اعتقد ان الطرفين قادران على تسوية هذه المشكلة طالما انها لا تصطدم مع محاولات اسرائيل لفرض سيادتها، على العكس يمكن ان تكون اسرائيل مسرورة وهي ترى تنافسا بين مؤسسات ومرجعيات اسلامية تركية وسعودية واردنية وفلسطينية لأن تنافس هذه الجهات ياتي على حساب بعضها البعض، الحضور الفلسطيني وحده في القدس هو الذي يهدد السيادة الاسرائيلية لانه حضور يستند الى مشروع تحرر وطني فلسطيني بدولىة مستقلة عاصمتها القدس ويستند كذلك الى ثقل شعبي ومؤسسات اهلية راسخة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى