أُغَنِّي لِلْحَبِيبَةِ كُلَّ يَوْمٍ

‏تركي عامر‏ | فلسطين

بِسُوقِ الشِّعْرِ يُفْتَقَدُ البَهاءُ،
وَيَكْثُرُ فِي الدَّكاكِينِ الهَباءُ.
فَلَيْسَ عَلَى الرُّفُوفِ سِوَى غُبارٍ،
وَلا بَيْعٌ هُناكَ وَلا شِراءُ.
يَجِيءُ النّاسُ يَنْصَرِفُونَ حالًا،
لِأَنَّ الشِّعْرَ مُعْظَمُهُ هُراءُ.
فَسِعْرُ الصَّرْفِ يَهْبِطُ كُلَّ يَوْمٍ،
وَسَقْفُ الصِّدْقِ يَدْهَنُهُ الرِّياءُ.
وَتُفْتَقَدُ الصَّداقَةُ يا صَدِيقِي،
كَأَنْ أَعْداءَ صارَ الأَصْدِقاءُ.
لِياقاتُ الزَّمالَةِ بَدَّلَتْها،
عَلاقاتٌ يُنَظِّمُها العِداءُ.
وَيَكْثُرُ عِنْدَنا الكَذِبُ المُقَفَّى،
وَغَدْرًا باتَ يُقْتَرَفُ الوَفاءُ.
وَفِي صَحْرائِنا عَرَبَيْنِ صِرْنا،
فَبُحَّ الصَّوْتُ ما وَصَلَ الرَّجاءُ.
وَكُلٌّ راحَ يَجْمَعُنا: تَعالَوْا،
وَلِي أَنْتُمْ عَبِيدٌ أَوْ إِماءُ.
كَأَنَّ اللهَ تَوَّجَهُ مَلِيكًا،
لَهُ مِنّا الإِِطاعَةُ وَالوَلاءُ.
وَبَعْضٌ قامَ يُنْزِلُ دُونَ وَحْيٍ،
كَلامًا لَمْ يَقُلْهُ الأَنْبِياءُ.
وَبَعْضٌ راحَ نَرْجِسُهُ يُغَنِّي:
أَنا وَالرَّبُ يا شَعْبِي سَواءُ.
أَنا مِنْهُمْ بَراءٌ.. لِي طَرِيقِي،
نَهارِي باتَ يَنْهَرُهُ المَساءُ.
كَنارٍ كانَ أَنْجَبَنِي جُنُونِي،
وَبِي داءٌ وَأعْرِفُ ما الدَّواءُ.
دَوائِي الحُبُّ دائِي أَنَّ قَلْبِي،
بِدُونِ الحُبِّ يَمْلَأُهُ الخَواءُ.
أُحِبُّ النّاسَ مِنْ أَلِفٍ لِياءٍ،
و”لا تَكْرَهْ!” تَقُولُ لِيَ السَّماءُ.
أَنا ٱبْنُ الأرْضِ عَلَّمَنِي هَوائِي:
لَنِسْرٌ أَنْتَ مَلْعَبُكَ الفَضاءُ.
أُحَلِّقُ لا أرَى أَحَدًا يُبارَى،
فَأَغْلِبُنِي وَيُرْبِكُنِي الرِّثاءُ.
وَأَرْثِينِي بِسَطْرٍ غُصَّ دَمْعًا،
وَراءَ السَّطْرِ يَخْنُقُنِي البُكاءُ.
أُعَلِّمُنِي الوَصايا دُونَ لَوْحٍ،
وَأَتْرُكُنِي لِأَلْعَبَ ما أَشاءُ.
إِلى لُغَتِي أُسابِقُنِي كَطِفْلٍ،
بِها كَالأُمِّ يَرْبِطُنِي ٱنْتِماءُ.
أَنا فَرْدٌ وَلَيْسَ لَدَيَّ جَيْشٌ،
لِيَحْمِيَنِي فَيَحْمِينِي الإِباءُ.
تُحارِبُنِي جِهاتٌ لا أَراها،
وَأَعْرِفُ ما الأَمامُ وَما الوَراءُ.
وَرائِي أَلْفُ شَوْطٍ مِنْ أَمامٍ،
أَمامِي قَدْ تَبَّقَّى الماوَراءُ.
دَعُونِي الآنَ أُخْرِجْ ما بِرُوحِي،
بِلا خَجَلٍ وَلِلرِّيحِ القَضاءُ.
هَجانِي جاهِلٌ أَدَبِي وَدَأْبِي،
ضَحِكْتُ فَلَيْسَ يَقْتُلُنِي الهِجاءُ.
إِناءُ المَرْءِ يا وَلَدِي نَضُوحٌ،
فَـ “يُتْحِفُنا” بِما فِيهِ الإِناءُ.
غَدًا سَتُفِيقُ مِنْ خَدَرٍ وَتَصْحُو،
لِتَعْرِفَ أَنَّ قِبْلَتِيَ البَقاءُ.
جُذُورِي سَوْفَ تَمْكُثُ بَعْدَ مَوْتِي،
قُشُورُ القَوْلِ يَأْخُذُها الهَواءُ.
إِذا كانَ الهِجاءُ يُعَدُّ شِعْرًا،
فَعَنْ هٰذا لَيَمْنَعُنِي الحَياءُ.
حَيائِي ماءُ وَجْهِي ذا رِدائِي،
وَهٰذا الوَجْهُ يُشْغِلُهُ الرِّداءُ.
حَماكَ اللهُ يا هَجّاءُ.. عُذْرًا،
فَمِنْكَ الآنَ يَسْرِقُنِي الغِناءُ.
أُغَنِّي لِلْحَبِيبَةِ كُلَّ يَوْمٍ،
عَلَيْها لا يُساوِمُنِي ٱكْتِفاءُ.
وَلِي فِيها قَصائِدُ مِنْ حَرِيرٍ،
وَتَهْتِفُ كَعْبَتِي: نِعْمَ الكِساءُ!
لَها سَأَظَلُّ أَكْتُبُ طُولَ عُمْرِي،
وَعَنْها لَيْسَ يَنْهانِي ٱنْتِهاءُ.
أَراها الآنَ تُقْبِلُ دُونَ وَعْيٍ،
عَلَى ذَهَبِي وَيُشْعِلُها ٱشْتِهاءُ.
فَشِعْرُ السُّوقِ مِنْ خَشَبٍ وَشِعْرِي،
لَمِنْ ذَهَبٍ وَتَعْشَقُهُ النِّساءُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى