أمي شروق القمر
أحمد العبري | سلطنة عُمان
صَحبتُ النجومَ وزرتُ القمرْ
ولَمْلمتُ في البحرِ أَزهى الدُّررْ
لأصنعَ بالدُّرِ عقداً فريداً
يُلَملمُ ما في فؤادي انتثر
وناجيتُ ظِلاً بدا للسحابِ
لعلَّ السحابَ يصبُّ المَطَر
فيروي فؤادَ فتَى مسَّه
من البُّعد ما يَستحِثُّ الضَّرر
فأدرَكني قبلَ قطعِ الوَتين
فؤادٌ به النَّبضُ شدَّ الوَتَر
وقال: بُنَّيَ أراكَ قصيِّاً
وقد كُنتَ مني قريبَ النظر
بُنيَّ استدرْ، فإذ وجه أُمِّي
به وإليه شُروقُ القمر
لكِ اللهُ أمَّاه يا روحَ قلبي
وقلبي يُقصَّرُ مهما شَكر
^^^
وإذْ بي أعودُ كطفلٍ رضيع
كأولِّ ما كان نضجُ الثمر
أعودُ إلى رَحِمٍ كمْ به
سعدتُ، وأُمي تذوقُ السهر
أعودُ إلى خيرِ حُضنٍ سَقاني
حنانَ الأمومةِ مُنذَ الصغر
وأحبو، فتأتي إلى حيث أحبو
لتحرسني من رزايا الخطر
وأمشي فتمشي بإثريَ حِينا
وحيناً تُباعدُ عَنَّي الحَجر
وكم قد صَحوتُ على حُضنِها
إذا ما تَعثَّرْتُ في المُنْحدر
وأسمعُها إذْ تقولُ بحزنٍ:
حبيبي، عُيوني، فؤادي عَثَر
لكِ اللهُ يرعاكِ يا خيرَ أم
لكِ اللهُ أماه عندَ الكِبَر
لكِ اللهُ أماه ماذا يُوفِّي
فؤادي إذا الدهرَ صلّى وبَر
^^^
ويوماً جلستُ بقربِ الأثافي
وطاب الحديثُ حديثُ القمر
حديثُ الفؤادِ بنبضِ الفؤاد
حديثٌ يُزركشُ ليلَ السَّمَر
فتروي حكاياتِ حاراتِنا
وما كانَ في حادثاتِ السفر
وحينا تُروِّي فؤاديَ نوراً
من الشِّعر في قلبِها كالدرر
حديثُ سواقي المياه التي
لأُمي بها المُبتدا والخَبَر
حديثُ الضواحي التي لِيدَيْها
سيَشهدُ بالخيرِ كلُّ الشجر
حديثٌ تعطرَّ قلبي به
بزهرٍ نَما بين تلكَ السير
حديثُ التلاوةِ في مصحفٍ
ومن ظهرِ غيبٍ قُبيلَ السحر
لكِ اللهُ أماه مهما كَبرتُ
فرأسي يحنُّ لمسحِ الشعر
لكِ اللهُ مهما أكلتُ فإني
أحنُّ لخبزِ ليالي السهر
لكِ اللهُ يرعاكِ يا خيرَ أم
بذكرى ليالي حديثِ القمر
^^^
مَعَ البابِ، بابُ الوداعِ الذي
إذا حانَ وقتُ وَداعِ السفر
أرى هالةً من حَنانٍ ندي
يَزيدُ المحبةَ بين الجُدُر
أرى بيديها تُلَملِمُ كِيسا
وفيه لأجلي تضمُ الثمر
أرى الكُحلَ في عينِها باصطبار
لِخَفقِ فؤادٍ عطوفٍ صَبر
أرى نفحاتِ الدُّعاءِ الذي
يُلطف فينا قضاءَ القَدَر
أرى شوقَها لاتصالٍ به
حديثُ المياه لرَوضٍ نَضِر
لكِ اللهُ أماه في مَوطني
وحيثُ يكون اتجاهُ السفر
لكِ اللهُ نوَّرتِ حمراءَنا
ومنك العراقي زَهَت في الحَضَر
لكِ اللهُ أماه في مسقطٍ
بنورِكِ يلتفُ جمعُ الأُسَر
لكِ اللهُ أماه أنَّى رحلت
وأنَّى رجعت، بكِ المُستَقَر
^^^
إذا ما تأخرتِ عن مَقدَم
لبيتي، فبيتي مكانُ الضجر
يَضُجُّ الصغارُ يَضُجُّ الكبارُ:
متى سوفَ يُشرقُ فينا القمر
متى جدتي سَتَهِلُّ علينا؟
لنسعدَّ في الكون مثل البشر
فيصُبحُ بيتيَ نورَ الدُّنا
ويصُبحُ فينا الصباحُ العطر
ونُمسي على لَمَّةٍ من حَنَان
نُعيد بها ما مَضى من عُمُر
بها يستريحُ فؤادي الذي
سيجلو بها ما بقي من كَدَر
بها أستعيدُ زماني الذي
بتذكاره مثل وخزِ الإبر
فللشَوقِ روحٌ إذا ما بَدَت
تباعدَ ما حَولَها وانكسر
^^^
لكِ اللهُ أماه إذْ تَحرثين
بقلبي ضواحيَ عَهدٍ غَبَر
لكِ اللهُ إنَّي شغوفٌ إلى
دعاءٍ بقلبٍ رحيمٍ غَفَر
لكِ اللهُ قولي بأنكِ قد
رَضيتِ عن الولدِ المُعتذِر
لكِ اللهُ، زادكَ ربِّي سَلاماً
لقلبٍ، وأعطاكِ نورَ النظر
لكِ اللهُ، مُدِّي أكفَّ الدُّعا
ليجمعَنا بعدَ طُولِ العُمُر
هناك بُقربِ النبي الكريم
إمامُ الكرامِ نبيُّ البَشَر