عن سحر هاروت وماروت وحساب الجُمّل وزوال إسرائيل المكذوب عام 2022
د. خضر محجز | فلسطين
الحمد الله الذي كتب على كل نفس حظها من الكفر وحظها من الإيمان، وأدعوه أن يخرجنا من هذا العالم غير ضالين ولا مضلين.
أما بعدُ
فكثيراً ما حذرتُ من كلام الكفر في القرآن، وقلت إن تفسير القرآن بحسابات الأعداد ـ التي يُقال عنها حسابات الجُمَّل ـ كفرٌ به، وما أنزل على محمد، وهو من بقايا ما تلقاه بنو إسرائيل من السحر، الذي تعلموه على يدي الملكين “هاروت” و”ماروت” زيادة في غضب الله عليهم وفتنة من الله لهم، في حقبة سبيهم في بابل.
يقول تعالى في ذلك:
﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة/101 ــ 101).
فها هنا عرضٌ لبعضٍ من قبائح بني إسرائيل الأولين، تواجه به الآيتان أحفادهم في المدينة زمن التنزيل.
فلئن لم يكن أحدٌ يعلم صدق هذه الأنباء القرآنية ـ في حينه ـ إلا أحبار بني إسرائيل، فلقد سمع جمهورهم الأمّيُّ الآن هذا البيان، فكان عليهم أن يمتحنوا أحبارهم في صدق ما جاء فيه. لكنهم فضلوا متابعتهم على كذبهم، بديلاً عن تصديق نبيٍّ من بني إسماعيل، فقامت عليهم الحجة بالكفر بعد البلاغ، مثلما قامت على أحبارهم.
ولقد علم الأحبار الحاليون ـ السامعون للخطاب بالمدينة أول مرة ـ بأن أحبارهم السابقين في بابل كانوا قد كذبوهم، منذ أن سمعوا هذا الخطاب يتُلى عليهم، ففضلوا اتباعهم في الإساءة إلى نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم.
ولعمري إنه ما من عاقل ممن يتلون التوراة، كان قادراً على تصديق ما تقوله الشياطين في سليمان، إلا إن كان الله قد أعمى بصيرته، ففضّل كذب القوم على صدق أبناء الضرّة الإسماعيليين.
لهذا، فكلُّ من صدق الشياطين في الأنبياء كفر، كما الأحبار كافرون، وكما أتباعهم كذلك.
وإنها لفضيحة! أن يتبع حاخامات اليهود ـ الذين يدونون التوراة ـ الشياطين فيما ينسبونه إلى دولة الملك سليمان بن داود، النبي بن النبي. فها نحن نرى تلك الدولة، في تلك التوراة التي دونوها، شديدة الفساد بملكها ومؤامراتها وزنا أنبيائها.
فحاشا وكلا وأستغفر الله العظيم.
لقد صدق الأحبارُ كل شائعات الشياطين، عن نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم. ولقد كانت شائعاتٍ منظومةً ببراعة، عبر عنها التنزيل العزيز بالتلاوة. فشياطين كاتبي التوراة ينظمون كلام شياطين الجن، المهموس في آذانهم وقلوبهم، على منوال كلام التوراة، ثم يدسونه فيها وسط كلام الله: ﴿لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران/78).
ولقد أشاع الشياطين عن سليمان أنه ابن زنا، نتج من علاقة محرمة بين أبيه داود و«بَثْشَبَع» زوجة قائده الذي كان مسافراً للجهاد. ولقد صدق حاخامات اليهود ما تتلوه الشياطين عن سليمان، وأثبتوه في التوراة”.
ومنذ تلك الأيام واليهود يتعلمون السحر من الشياطين، ومن الملَكين الفتانين «هاروت» «وماروت» خلال مرحلة سبيهم في بابل.
لقد أصبح السحر لدى اليهود ديناً. وقد حفلت الحكاياتُ العربية القديمة بقدرة اليهود على السحر الأسود. ولقد اختارت الحكايات دوماً دولة قصيّةً، لتصطنع منها يهوداً يهاجرون إلى عواصم الشرق، لينشروا سحرهم الأسود فيها. فلا يزال الناس هناك ينظرون إليهم بريبة استحقها تاريخهم.
ألا وإن كل من ابتُلي بالاطلاع على سحرهم من المسلمين اليوم، لقادر على رؤية أشخاص من أمة محمد يصدقون سحرهم، فيَضلّون في أنفسهم بما يصدقون، وينشرون آثاره بين الأميين والحمقى الذين يصدقونهم.
ألا وإنه ليمكنني القول ـ بثقة تامة ـ بأن كل تنبؤ بالمستقبل يستمده شخص من تفسير الآيات، وفق حساب الجُمّل العبري ـ من أمثال هؤلاء الذين يحددون تاريخ زوال دولة إسرائيل ـ لهو من هذا الكفر المقيت العاجز عن الفعل باللجوء إلى الأمانيّ.
هذا هو أصل اختيار الحكايات ليهود المغرب، صنفاً عتيّ السحر، شديد التجسس. ومن هنا فكلما كرهوا شخصاً نسبوه إلى هناك، فمنحوه الديانة اليهودية، والمكر اليهودي.
أما الملكان «هاروت» و«ماروت»، فقد اجتهد الطبري ـ رحمه الله ـ في أن يرد عنهما تهمة السحر، باعتبارهما ملَكين، والملائكة ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم/6). ولكن تلك النوايا الحسنة لمفسر لا تستطيع رد صريح القرآن.
ألا وإن قول الله ـ سبحانه ـ بأن الملائكة لا يعصون الله، لا يعني أن هاروت وماروت عصيا الله في هذا، بل فعلاه بمشيئته وأمره لفتنة المفتونين ممن يتظاهرون بالإيمان وقلوبهم كافرة.
هذا وقد حفلت الإسرائيليات بقصة فتنة الملكين المذكورين، وأشبعتها خيالاً مستمداً من الأساطير السابقة على التوراة، يتوافق منها مع القرآن أن ثمة ملكين اسماهما هاروت وماروت نزلا ببابل وعلما اليهود السحر بأمر من الله، لفتنتهم. وكانوا كلما علموا أحدا حذروه قبل ذلك كما تقول الآية.
ولقد يبدو لي أن من هذه الفتنة فتنةُ ابتلاء الفلسطينيين بهذا المفسر وهذه التفاسير وتصديقها بصورة واسعة، ليكفروا بما نزل على محمد، ويصدقوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
اللهم قد بلغت. واللهم إني أعلم أنك إن أردتَ فتنة قوم ما ردَّها عنهم شيء إلا توبتهم. ولكن قومي لا يتوبون.
لا إله إلا أنت.