سيكولوجية الانطباع الأول
د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية
يحكى الرئيس الامريكى السابق بيل كلينتون قصة الانطباع الأول مع زوجته فيما بعد هيلاري كلينتون، أثناء فترة الدراسة بجامعة ييل. يروى أنه لم يستطيع المبادرة إليها ولمدة طويلة، واقتصرا على اختلاس الأنظار المتبادلة معها فى مكتبة كلية القانون بالجامعة. ويقول لقد كسرت هيلاري تلك المغازلة الصامتة فى أحد الأيام، وسارت مباشرة إليه. ويسرد فى مذكرات أنها قالت له “انظر يا هذا ، إذا كنا سنستمر في التحديق ببعض، فيمكننا أيضًا التعارف!” .” أنا هيلاري رودهام. ما اسمك؟” ووصف بيل كلينتون شدة شعوره الداخلى لحظتها بإنه “لم يستطع تذكر اسمه!”. ويقول” لقد كان انطباعًا أولًا ، قويًا” لدرجة أن صاحبته، بجانب نجاحها المهنى الأسرى، فقد استطاعت بشخصيتها هذه، آنذاك، تحقيق مجد سياسى غير مسبوق فى تاريخ الولايات المتحدة.
غالبًا ما تكون اللقاءات الأولى مركزة عاطفيًا لدرجة انها تطغى علينا. نبتعد ولكن لدينا انطباعًا يشبه صورة خاطفه – صورة من الرأس إلى القدمين تتطور، تظهر معالمها سريعًا ولا تتلاشى أبدًا. في كثير من الأحيان ، قد تظهر فى هذه اللقطة الأولى عناصر غاية فى الأهمية.
نحن نبحث عن علامة معينة على وجه جديد ربما أبسطها “الإبتسامة.” كما يقول بول إيكمان ، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا “يمكننا إلتقاط ابتسامة من مسافة 30 مترًا”. “ربما تسمح لنا هذه الابتسامة بالإستقبال الإيجابي ، وتجعل من الصعب علينا عدم الرد عليها بالمثل ” إن لم نزيد. وبحلول الوقت الذي تومض فيه هذه الابتسامة، سيغلق باب الإنطباع الأول بعد ثلاث ثوانٍ فقط، فترة كافية للوصول إلى كثير من الاستنتاجات والمعارف. وتقول ناليني أمبادي ، أستاذة علم النفس في جامعة تافتس ، ماساتشوستس ، أن الانطباعات الأولى الناتجة من التعرض اللحظي لسلوك شخص آخر ، تنتجها “شرائح رقيقة thin slices ” ربما تصنعها الخبرة المتراكمة فى الدماغ البشرى. وتجزم الباحثة بإن البشر طوروا استخدام هذه الشرائح حتى تلتقط ما إذا كان هذا الشخص سيؤذينا أم يثرينا – وهى أحكام كان لها تداعيات ربما منقذة لحياة الآدمي في الحقب السابقة لتطور الجنس البشرى.
وتعتقد الباحثة أن هذه الشرائح الرقيقة تتولد في أكثر مناطق الدماغ بدائية، حيث تتم معالجة المشاعر أيضًا بجانب التحليل العقلاني، وهو ما يفسر التأثير العاطفي الكبير لبعض اللقاءات الأولى. ومثال لذلك ينشأ عدم الثقة الفوري في تاجر سيارات معين، وربما هناك أحساس غريب بعدم الارتياح لشخص ما، أو حتى التواجد فى مكان ما فى لحظة معينه. وتطورت هذه الحاسة اللحظية كطريقة لأسلافنا لحماية أنفسهم في عالم الغابة لتجنب الأخطار القاتلة. وتبقى الانطباعات الأولى رهنًا لخبراتنا . قد نخطئ وقد تصيب. بينما “نحن البشر” نظل نتعلم حتى تتكون خبراتنا الحياتية يوما بعد يوم، وتصقل ردود أفعالنا حيال أفعال وأقوال الآخرين.