مراجعة على مقال الأثر النفسي لمنهج التفكيكية في شعر ما بعد الحداثة
طارق المأمون | أديب سوداني
شكرا أختي الأديبة المبدعة و الناقدة البصيرة ثناء حاج صالح على هذا العرض و الطرح الذي أحسبه قيما وسيفيد كثيرا في توضيح بعض المفاهيم التي ارتبطت بالحركة الشعرية العربية تاريخيا و التي ما زالت تتقيد بسلاسلها التي ليس من المؤكد انها تقودها الى جنة الجمال.
و التفكيكية كحركة فلسفية غربية نشأت في غمار الحرب التي يفتعلها الأنسان مع فطرته ليهرب بها من سيطرة الله عليه كما يزعم و اإنه في سعيه المتفاني نحو حريته – المطلقة- عثر على هذا الخلط الفكري الخطير الذي طوره – كفعل الفكرالفلسفي الغربي و نزوعه الى التطبيقية دائما حيث يعكس رؤاه الفلسفية في فنه و فكره و أدبه و ربما في تفاصيل حياته المعاشية المختلفة الأخرى -فانتقلت الى الكتابة و الأدب و تلقفها المفكرون و النقاد و الأدباء و اعتنوا بها عناية كبيرة رغم غلو مصطلحاتها و غرابتها أحيانا و طريقة عرض رؤاها الموغلة في الغموض أحيانا أخرى.
وهي رغم تدثرها بعباءة الفكر الما بعد حداثي إلا أنها استمدت من الفكر الحداثي روح الشك التي ابتدعها ديكارت و التمرد على سلطة “الله” الذي نظّر له ماركس وعملت الحقبة الحداثية كلها عليه لما وجدته من جور الكنيسة في تلك العهود . وهو ما تلبس الفكر الما بعد حداثي عموما من بعدهم.
و تعتبر ما بعد الحداثة عامة تفكيكا للنماذج المعرفية التي افترضت وجود غائية ,أو افترضت من ثم مصدرا متعاليا للمعرفة، يقرر المعني، الحقيقة، القيم، وبالتلي السلطة،- التي تقوض الحرية مستفيدا من الجدلية الهيجلية بين السلطة و الحرية- وذلك في كل من النموذج المعرفي الديني في العصور الوسطي – الكنسي- ,والنموذج المعرفي العقلاني الذي طرحه ديكارت.
جعل “دريدا” منظرها الأول أهم طعون فلسفته في مقدرة اللغة على الإحالة الى أي شيء أو ميزة لشيء موثوق به . قاصدا فك الارتباط بين اللغة و العالم الخارجي فلا تصلح أن تكون الوسيط المعبر عنه.
وجعل من تفكيك اللغة معبرا للوصول الى فكرته التي يريد أن يقولها برفض النماذج المعرفية الغائية – و لذلك أصل في الفلسفة الماركسية التي تجعل القيم و الأخلاق ابتكاراابتدعته الطبقة البرجوازية لتتحكم به على الطبقة الضعيفة. – حيث أن هذه النماذج تخلق عبر قيمها و رؤاها المجتمعية مصدرا متعاليا يحتكر السلطة و من ثم يسعى الى تكريس هذه القيم التي تضمن بقاءه و تزيد هيمنته.
إن خلخلة خطاب التكريس السائد لهذه القيم كما يزعم الحداثيون و الذين من بعدهم هو الفكرة الأساسية لاستراتيجية التفكيك وبشكل أشمل الفلسفة المعاصرة بداية من “نيتشه” وهو مايؤدي إلي غياب الإطار المرجعي اليقيني أو تدميره، الأمر الذي يفضي حتما علي النسبية، وتعدد المنظور، أو فوضى المعنى. ….
لعلي أتبع قولي هذا أو كتابتي كما يحب التفكيكيون أن يكتب فهم يجعلون الكتابة هي الأصل وليس الكلمة مماحكة لقول الإنجيل “في البدء كان الكلمة”
“إن التفكيك الذي قام به “دريدا” في هذه المسألة هو استبعاد المركز/الكلام، ثم اكتشاف الطاقة الكامنة في الهامش/الكتابة، ومن ثم اكتشاف أن مركزية الكلام المدعاة لم تكن غير زيف، حيث أن كافة السمات التي ادعاها الكلام كي يوهمنا بامتيازه قد اكتشف “دريدا” أنها سمات يشترك فيها الكلام مع الكتابة، وبالمنطق المعكوس,تستبدل الصيغة اللاهوتية في البدء كان الكلمة/اللوجوس بصيغة تفكيكية الكتابة لا تكمل فقط بل تحل محل أيضا، لأن الكلام مكتوب دائما”
….. و لكن تنظيرهم أضاف الى الأدب كثيرا فلهم نظريات و أقوال جميلة فهي كفلسفة صممت للأدب بشكل خاص و إن انطلقت من مباعث عقدية فلسفية بل إن أحد كبار كتابهم وهو بول دي مان جعل الأدب هو مضمار الفلسفة الكبير:
“إن الأدب أصبح الموضوع الأساسي للفلسفة ونموذجا لنوع الحقائق (أو الحقيقة) التي تطمح الفلسفة لبلوغها’.