د. حمود العبدلي
المتتبع لحركة الاستثمار العالمي في التعليم يلحظ تسارع متزايد في الاستثمار في التعليم الرقمي بصوره المختلفة ليصل إلى 350 دولار سنة 2025 بحسب توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي، ويشكل التعليم المفتوح والتعليم المستمر و الـMOOCs البنية الأولى للاستثمار في التعليم الرقمي، كما انه يشكل حل لكثير من المشكلات التي تواجه أنظمة التعليم والمتعلمين، ومن أهمها مشكلة عزوف البالغين الالتحاق بالتعليم التقليدي.
و تتنوع اشكال التعلم المعزز رقمياً الذي أصبح يمثل حل لكثير من مشكلات التعليم العالي حول العالم؛ وفي اليمن الذي يعاني من أزمات عميقة ومتشعبة أدت إلى عزوف البالغين عن التعليم لتصل لما يزيد عن 90%، وتمثل هذه النسبة العالية جداً بيئة استثمارية خصبة وواسعة، اسقطتها الجامعات، ومعها وزارة التعليم العالي من خططها، وركزت في توجهاتها على الاستثمار في الـ 10% المتبقةالمستند للنظام التقليدي المعمول به من القرن الماضي.
وتتعمق مشاكل التعليم العالي في اليمن وتزداد تحدياته بسبب تطورات الحياة والعلم السريعة وتغير احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي من المهارات والكفاءات، علاوة على ضعف القدرات المالية لدى البالغين الذين يرغبون بالتعليم، و أسبابأخرى أهمها تلك التي تتعلق بالجامعات و منها:
1- تقادم المعرفة والمهارات التي تقدمها الجامعات اليمنية، والتي لم تعد تلبي احتياجات البالغين بما يساعدهم في الحصول على فرصة عمل.
2- الأسلوب التقليدي الذي تُقدم به المعارف والمهارات التي لا زالت على ما هي عليه منذ نشأت مفهوم الجامعة في اليمن في سبعينات القرن الماضي، وازداد تدهور أساليب تقديم المحتوى سوءً في السنوات الأخيرة ومعه تدهور مفهوم الجامعة.
3- عجز الجامعات عن الابتكار والتجديد في:
a. طرق تقديم التعليم (Education delivery) بما يلبي حاجات وظروف المتعلم برغم كل ما اتاحته التكنولوجيا من إمكانات ضخمة، وما قدمه الفكر والبحث التربوي وعلى وجه الخصوص التصميم التعليمي وتكنولوجيا التعليم.
b. إضافة للعجز في ابتكار تصميمات تعليمية (Education design) تناسب المستويات التعلميةالمختلفة، والحاجات الفردية للمتعلم بما يلبي طموحه.
c. التحديث المستمر للخبرات (المناهج التعليمية) بتطورات حاجات المجتمع والمعرفة والتكنولوجيا.
ويقدم التعليم المعزز رقمياً اشكال مختلفة يمكن ان تساعد الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في حل ضعف التحاق الطلاب ويعتمد نجاحه في الجامعات على التصميمات المبتكرة التي تحسن توظيف الفكر التربوي، تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبقية عناصر البيئة الأكاديميةمن هذه الأشكال:
التعليم المدمج: وهو نموذج يجمع بين التدريس في الفصول الدراسية وجهًا لوجه والاستخدام المبتكر لتقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي يزيد استخدامه في كثير من الدول عن 92% من مؤسسات التعليم العالي فيها و يتراوح استخدامه بين 35% إلى الاستخدام الكامل بداخل المؤسسة التعليمية؛ وقد اصبح تعليم شائع يسود اغلب جامعات دول العالم بما فيها كثير من دول العالم الثالث، وله تصميمات متعددة تناسب كل بيئة، وظهرت الحاجة الملحة له في كوفيد19، وزاد انتشاره بعدها، واصبح من الصعب تخيل جامعة بدون هذا النوع من التعليم، ويعد من افضل صور التعليم الإلكتروني بحسب ما تشير الى ذلك الأبحاث العلمية.
التعليم المفتوح ويتضمن عدد من الأشكال منها:
a. الدرجات العلمية عبر الإنترنت بالكامل: (دبلوم- بك، ماجستير، دكتوراة)، ويتراوح استخدامه عالمياً بحسب ما أشار اليه تقرير صادر عن الإتحاد الأوربي ما بين 30%-60%، وهو ما كان معمول به في بعض الجامعات الأهلية باليمن واقتصر على منح درجة البكالوريس غالباً، وشابه كثير من التجاوزات القانونية والعلمية بل وحتى الأخلاقية الأمر الذي أدى إلى اغلاقه، قبل ان يستأنف مؤخراً في بعض الجامعات.
b. MOOCs: تعتبر احد اشكال التعلم المفتوح، تزداد انتشاراً في كل سنة؛ ورسخ هذا النوع من التعليم مكانهوضرب بجذوره في أنظمة التعليم باعتباره ثاني أكثر وضع توفير عبر الإنترنت استخدامًا بعد الدورات القصيرة وقبل برامج الدرجات العلمية عبر الإنترنت، رغم عدم توفر الإطار القانوني الذي يُمَّكن من اعتماد شهادات هذا النوع من التعليم، وهذا السبب يخفف سرعة انتشاره الكبيرة، التي لو توفرت لربما استُبدل هذا النوع بالتعليم الحالي في الحرم الجامعي، ولعل فكرة بنوك الاعتماد وتزايد استخدام blockchain ستساعد في انتشار هذا النوع بشكل اكبر مما هي عليه اذا تشير التقديرات إلى ان 50% من مؤسسات التعليم العالي
c. تقدم مثل هذا النوع من التعليم، كما ان 20% من المؤسسات ادرجته في خطتها بعد كوفيد 19، ويتسارع انتشاره يومياً، وتعود أهم الأسباب التي تدفع للالتحاق به كما تشير دراسة مسحية شملت القارة الأوربية بأكملها إلى:
i. يساع في تحقيق الظهور والسمعة الدولية للمؤسسة التعليمية.
ii. الوصول إلى مجموعات المتعلمين الجديدة.
iii. تطوير أساليب التعلم والتعليم المبتكرة.
iv. الاختيار الأولي وإعداد طلاب المستقبل.
v. التعاون مع المؤسسات والشركاء الآخرين.
vi. تقديم دورات للمجتمعات أو مجموعات أصحاب المصلحة الخاصة.
d. الدورات القصيرة: عبر الإنترنت (بدون درجة) التي تكسب شهادات أو أوراق اعتماد صغيرة أو شارات: تستجيب الدورات القصيرة بدون درجات علمية لمطالب متنوعة، مثل: 1- توفير المهارات الإضافية للطلاب والتي أصبحت من المهارات الهامة، بل وتحولت لهدف من أهداف التعليم العالي في جامعات أوربا وكندا واليابان وامريكا، 2- ودورات تطوير الموظفين الداخلية، 3-ومجموعة واسعة من أغراض التعلم مدى الحياة، بما في ذلك التطوير المهني المستمر.
e. برامج المهارات الرقمية:أصبح محو الأمية الرقمية هدف لجميع مؤسسات التعليم العالي تدمج في مناهجها سواءً: تلك: 1-المهارات التي لها علاقة بالدراسة والتفاعل الصفي، او 2- محو الأمية الرقمية العامة، او 3- الأخلاق والسلوك في البيئات الرقمية، او 4- محو أمية البيانات والسلامة، او 5- المواطنة الرقمية، او 6- تلك البرامج الدراسية التي تعد الموظف الرقمي مثل المعلم الرقمي او المسوق الرقمي…الخ، وهو مجال آخر خصب من مجالات الاستثمار الرقمي في التعليم.
التنقل الافتراضي للطلاب: وهو توجه لا زال غير معلوم في دول العالم الثالث وهو يشير إلى الطلاب والمعلمين في التعليم العالي الذين يُدرِسون أو يدرسون لفترة قصيرة في مؤسسة أخرى خارج بلدهم، دون مغادرة منازلهم فعليًا؛ كشف استطلاع IAU أن 60٪ من مؤسسات التعليم العالي أفادت أن Covid-19 قد زاد من التنقل الافتراضي و/أو التعلم التعاوني عبر الإنترنت كبدائل للتنقل المادي للطلاب،وبالمثل، أظهر مسح عالمي لقيادة الكليات والجامعات أن 63٪ من قيادة مؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء العالم يخططون للانخراط في المزيد من التنقل الافتراضي بعد Covid-19.
وتساهم هذه الأشكال من التعليم والتعلم المعزز رقمياً (DELT) بحلول ابتكارية لمشكلات التعليم منها:
1- مشكلات تعليمية مثل: ضعف، الإقبال وظروف المتعلم المادية او الوظيفية، او ظروف الجامعة.
2- مشكلات تعلُمية ترتبط بالبُنى المعرفية وتشكيل الخبرة لدى المتعلم.
3- وفتحت موارد استثمار اقتصادي كبير للجامعات يزداد بمرور الأيام.
وهناك رصيد ضخم من الأبحاث في هذا الإطار يتجدد سنوياً من جيش من الباحثين في هذا التخصص، يمكن للجامعات ان تستفيد منه كاقتصاد معرفة يغيب عن الكثير من جامعاتنا، ينتشر في المؤسسات البحثية المختلفة في انحاء المعمورة، فقد اصبح مثل هذا النوع DELT من التعليم شائعاً؛ حيث بلغ نسبة استخدامه في جامعات شمال أوربا في العام 2020 قبل كوفيد 19 ما يزيد عن 84%، وأدى كوفيد 19 إلى زيادة تبني سياسات التعليم المعزز رقمياً، وبناءً عليه يتوقع زيادة سريعة بعد كوفيد 19 لتبني اشكال التعليم والتعلم المعزز بالتكنولوجيا DELT كماً وكيفاً في:
1- الجامعات الشاملة (متعددة التخصصات).
2- جامعات او كليات تختص بهذا النوع فقط من التعليم.
المنصات التعليمية مثل Coursera، EDX، XuetangX ،Udacity، FutureLearn، ومن اشهر المنصات العربية ادراك ، وتمكين و…..والكثير منها ما هو مجاني ومنها ماهو مدفوع، تعلم الاف المهارات للراغبين في التعلم، يلتحق بها مئات الملاين من المتعلمين من انحاء العالم.
وهذا يدفع الجامعات في دول العالم الثالث ومنها اليمن إلى تبني هذه الأشكال من التعلم المعزز رقمياً، لحل بعض مشكلات التعليم العالي.