متى يُسنُّ الجهاد في فلسطين؟
بقلم: رشيد مصباح (فوزي)
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كنا مجموعة من المراهقين نعتاد المسجد العتيق ونتردّد على مجالس الذكر بعد صلاة الصبح، وفي المساء بعد صلاة العشاء ننقسم إلى أفواج وجماعات نستمع إلى الشيخ كشك وأحمد القطّان رحمهما الله وغيرهم من دعاة ذلك الوقت الذين بثّوا فينا روح الجهاد في وقت لم نكن نعرف فيه حتّى معنى الجهاد. وفي إحدى الأماسي انفرد بنا أحد الإخوة ليخبرنا بقيام الجهاد في أفغانستان لمن أراد أن يحصل على الشهادة. علمنا فيما بعد أن الذي يشرف على إرسال المتطوّعين إلى بريطانيا ومن ثم إلى أفغانستان رجل أعمال من وادي سوف.
مثل هذا الأمر لم يكن ليغيب عن أجهزة الدولة التي ولأسباب سياسية، لم تعد تعمل، كما كانت في ظل حكومة الراحل هواري بومدين صاحب القبضة الحديدية.
بعد ما يقارب عقدا من الزمن، عاد من بقّي منهم على قيد الحياة لتأطير من حملوا السلاح ضد النظام الجزائري و صعدوا الجبال. ليتبيّن فيما بعد أن الذين قاموا بتوظيفهم في حرب بالوكالة ضد الرّوس؛ حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، هم من قاموا بطردهم من أفغانستان، لأن مهمّتهم قد انتهت بطرد السوفييت من تلك البلاد الإسلامية.
تتعرّض المدن الفلسطينية بما في ذلك القدس وغزّة واليوم جنين لحصار ودمار شامل وعمليات قتل و إبادة من قبل الصهاينة الغاصبين، وكأنّ الأمر لا يعني العرب ولا المسلمين. أين دعاة الأمس الذين حرّضوا بين الإخوان على الاقتتال والتناحر فيما بينهم؟ لعلّهم ينتظرون الضوء الأخضر!
الذين يحرّضون على الجهاد وهم لا يعرفون معنى الجهاد فئات؛ بعض منهم مريض أو لديه حسيفة مع شرطي أو دركي أو أيّ موظّف من أعوان الدولة، فهو يحمل في قلبه حب الانتقام. وبعض آخر متحمّس للجهاد لمجرّد الجهاد ولا يعرف عن فقه الجهاد شيئا. وأما الذين يديرونه في الكواليس فهم تجّار الموت الذين لا يكترثون لحال الآباء والأمّهات، همّهم الوحيد ملء جيوبهم وتحقيق مآربهم بأيّ ثمن.
قرأتُ عن الزرقاوي الذي استدرجوه من السّجن ليجد نفسه في أفغانستان. وقرأتُ أيضا عن بلاّدن الذي استثنى النّظام الذي باع فلسطين من أجندته السياسية، وخرج يجاهد في أفغانستان. وقرأتُ عن بن طلحة التي تبعد ببعض الأميال عن الجزائر العاصمة السياسية للبلاد، وما جرى فيها من قتل و إبادة وبطريقة وحشية تجعل الحليم حيران. واليوم لستُ مستعدا لسماع كلام آخر عن الجهاد.
من أراد أن يجاهد فليجاهد في نفسه أوّلا.
نحن في هذه الأيام في حاجة إلى وعي وثورة فكرية وإلى الأخلاق خاصّة، وما أحوجنا إلى الأخلاق في ظل هذه العولمة التي تريد أن تفرغ الحياة من القيّم. أنظر إلى حال الإنسان في بلادنا؛ فهو في حاجة إلى “رسكلة” أخلاقية. نحن بحاجة إلى فهم ديننا الفهم السّليم الصّحيح، كما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم قبلنا. في حاجة إلى من يعلّمنا ديننا تعليما سليما بعيدا عن كل التأويلات.
إن الذين فسحوا الطريق أمام الجماعات لكي تجاهد في سوريا والعراق وأفغانستان لم يسمحوا بالجهاد في أماكن أخرى مثل اليمن وفلسطين، لأن المجوس المتآمرين مع صهاينة فلسطين، عينهم على اليمن. فأيّ جهاد هذا الذي ليس للشّريعة رأي فيه؟
بعض الأسر في الجزائر لم تضمّد جراحها بعد؛ وبعض آخر من هذه الأسر لا يزال لديها أمل في رؤية بعض ذويها المفقودين منذ أكثر من عقدين. ونحن هنا نتكلّم عن الجهاد في قاعات مكيّفة.
كيف يدعو إلى الجهاد من لا يعرف عن الجهاد سوى حمل السلاح وسفك الدّماء؟ في وقت ما أحوجنا فيه إلى العلم والمعرفة وإلى الأخلاق الحسنة حاصّة! ولكم أن تتصوّروا جهادا بلا قيم ولا أخلاق؟ لا يحسن فيه “المجاهد” سوى سفك الدّماء.
وما أحوجنا إلى الأمن والأمان والاستقرار، وإلى تربية النشء تربية سليمة. فإن تجّار الموت يتربّصون بأبنائنا وقد نصبوا لهم الفخاخ والشباك في كل مكان، وفي كل موقع من المواقع الحقيقيّة والافتراضية فغدوا لقمة سائغة.
الجهاد الذي يبحث عنه بعض من السجّذ والمرضى، هو فخ وكمين، كالذي نصب لبعض المواطنين في الجزائر في نهاية الثمانينيّات، وكالذي وقع في شباكه من أسموهم مجازا الأفغان المحترفين: Les pro-afghans للنّفخ فيهم ولكي ينفّذوا بأحكام بنود الأجندات الأجنبية. جهاد الذي أفتى بإرسال الجيوش العربية مع”المارينز” الأمريكان لقتل إخوانهم في العراق؛
جنين تتعرّض في هذه اللّحظات لحملة إبادة بشعة ومنظّمة من قبل الصّهاينة، والعالم المتحضّر يتفهّم الأمر ويدافع عن أمن إسرائيل؛ فمتى يُسنُّ الجهاد في فلسطين لتحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين من براثن الصهاينة الغاصبين؟