أثر الإعلانات التجارية على تحول الشعوب العربية من الإنتاج إلي الاستهلاك
قراءة علمية للحالة المصرية
د. طارق حامد
تعد الإعلانات التجارية من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الشركات للترويج لمنتجاتها وزيادة مبيعاتها، ولكن يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ثقافة المجتمع وأسلوب حياته. في مصر، شهدت الإعلانات التجارية تحولًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، حيث ازداد عددها بشكل كبير وتغير نوعية المنتجات التي تروج لها.
وفي هذا السياق، يمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تحول المجتمع من شعب منتج إلى شعب مستهلك، حيث يصبح الانفاق على المنتجات والخدمات هو الأساس في حياة الفرد. وقد يؤدي ذلك إلى تغير قيم المجتمع وأساليب حياته، فقد يصبح الفرد أكثر اهتمامًا بالشكل والمظهر والأزياء بدلاً من التركيز على صناعة منتجات جديدة.
ولذلك، فإن دراسة أثر الإعلانات التجارية على المجتمع المصري قضية مهمة جدًا، حيث يمكن أن تساعد في فهم كامل لآثار هذه الظاهرة على ثقافة المصريين وطرق حياتهم.
و الذي يتابع هذا الأمر بعين المتفحص يستطيع أن يرصد عدة ظواهر تفشت في أوساط المجتمع منها علي سبيل المثال لا الحصر:
1- الاتكالية الإنتاجية: حيث ركن جل المجتمع إلي الإستهلاك المقيت و تفشي هذا الأمر علي سبيل المثال في القرية التي كانت تنتج منتجات الألبان و المواد الغذائية المتولدة من الزراعات المختلفة وتربية المواشي والثروة الداجنة في القرية مثل البيض و الخبز الفلاحي والفطير والسمن والعسل واللبن الزبادي والقشطة التي كانت تصدر للمدينة فضلا عن الخضروات، انتهي هذا الأمر بشكل أوبآخر وبنسب متفاوتة حسب المنطقة والزمام ، ففي وجه بحري يبدو أنها انتهت تماما أما في الصعيد و المناطق البدوية أتصور أنها ما زالت موجودة بنسبة كبيرة، ومن نتائج هذا الأمر أن تمرد الأبناء حتي علي الطعام الذي يجهز في البيت بيد ست الحبايب وشرعوا يلهثون خلف عيش البندر ومطاعمه التي تصنع أنواعا عديدة من الأكلات المغرية غير أنها غير صحية ولكنها تستهويهم أكثر من غيرها، حتي شراء منتجات الألبان باتت من المدينة بدلا من إنتاجها في القرية و قس علي ذلك مفارخ الدجاج ومنتجات اللحوم وكثير من منتجات القرية انتهت وأضحت القرية- التي كانت تعول المدينة – عالة علي المدينة والتي هي بدورها أصبحت عالة علي الاستيراد من الخارج كوضع كل البلد وكذلك انتهاء الصناعات الصغيرة مثل صناعة منتجات الأصواف و الأوبار واختفائها من القرية لصالح المصانع والمنتجات الصينية التي أغرقت العالم كله بها وبذلك خسرنا عائدا سنويا يربو علي الخمسة عشر مليار جنيه من هذه المنتجات المتنوعة فضلا عن خسارة العملة الأجنبية الصعبة كالدولار و ذلك في توفيرها لغرض الاستيراد.
2- الإصابة بأمراض الأخلاق التجارية:
مثل التطلع إلى الحصول على المعروضات من هذه المنتجات برغم الحالة الاقتصادية المتدنية وما يتركه في النفس من رواسب اجتماعية و بعض الأحقاد الطبقية خاصة ما تروج له اعلانات الشقق الفندقية و الكمبوند و الفلل و المنتجعات السياحية ، لأنها موجهة في المقام الأول لرجال الأعمال و الطبقة التي تتحكم في مسارات الاقتصاد المتزاوج مع السلطة ، فيصاب جل أطياف المجتمع بحالة من الاكتئاب التجاري المبني علي استحالة الحصول علي هذه الأشياء لضيق ذات اليد وتوجيه كل الدخل للاحتياجات الأساسية و يا ليته يغطي تلك الاحتياجات، وهذه تسمي الأخلاق و المردودات التجارية المبنية على الصفقة ، حيث تختفي الطبقة المتوسطة و تتسع الهوة بين الطبقة الدنيا و العليا من المجتمع و بذلك نكون قد عدنا إلى عصور الظلام الوسطي في أوربا حيث طبقة النبلاء و طبقة العمال و الفلاحين المعدمين ، و هذا بلا شك يثير كثيرا من الأحقاد و الرواسب الاجتماعية ناهيك عن انتشار السرقة مما ينذر بنذير شؤم علي المجتمع بأسره إذا انفجرت الطبقة الدنيا وضجت بالثورات مثل ما حدث في الثورة الفرنسية و الثورة البلشفية وغيرها من ثورات الجياع في العالم .
3- تغير الأنماط السلوكية والجنوح إلي الاستسلام للواقع المرير من استئثار أصحاب المال والسلطة بالثروات فيقنعون بما يلقي إليهم من الفتات وتتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية نتيجة لتوقف عجلة التنمية والإنتاج القائمة كما نوهنا سابقا علي المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهذا ما حدث في نهاية القرن الماضي في مصر من اتكالية العمال علي ما يصرف لهم من رواتب بغض النظر عن الإنتاجية وبيعت بسببه المصانع والشركات الحكومية برخص التراب وزادت صور البطالة المقنعة والبطالة الصارخة وكان عدد الموظفين يفوق احتمال الدولة وبنيت العروش والكروش من الحيتان الاقتصادية التي التهمت السمك الصغير وتغول تزاوج المال و السلطة أيما تغول مع حالة الانسداد السياسي مما أدي إلي الانفجار في ثورة 25 يناير 2011م، والآن تستورد الدولة كل شيء من روسيا والبرازيل والصين وغيرها من الدولة التي وضعت نفسها علي قمة الهرم الاقتصادي العالمي و أصبحنا نحن في القاع نتلقي كمستهلكين كل ما يرمي إلينا من فوق مهما كان قمحا مسرطنا أو لحوما مصنعة لا يعلم مصدرها إلا الله وتقدم للشعب مغلفة بغلاف الذل و الإجبار علي تقبلها لأننا أصبحنا في ذيل الأمم في كل شيء حتي لا نملك إرادتنا، وكما قال الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله: لا يكون القرار من الرأس إلا إذا كان الطعام من الفأس.