الزّوابع والتّوابع في ما نشهده من مَنازِع (3)
زياد شليوط
أمريكا المأزومة .. تستنجد بدويلة مزعومة
لا أعلم كم يبلغ عدد القراء الذين سمعوا باسم “ليختنشتاين”، أو إذا ما كانوا يدركون ماهية هذا الاسم وعلى ماذا يدل؟ قفز اسم ليختنشتاين هذا الأسبوع في خبر ربما لم يلتفت إليه الكثيرون، ولهذا لم تبرزه وسائل الإعلام في عنوان الخبر، وإن كان ذكر بشكل عرضي ولمرة واحدة، وهذا يثبت ما سنذهب إليه لاحقا.
ورد في الخبر أن سفير “ليختنشتاين” لدى منظمة الأمم المتحدة، قدم اقتراحا وافقت عليه 193 دولة أعضاء الجمعية العامة (ما شاء الله)، يقضي بأن تعقد الجمعية العامة اجتماعا خاصا لها، لبحث استخدام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لحق النقض (الفيتو)، والزام الدولة التي تستخدم هذا الحق بشكل متواتر تقديم تبرير أمام الجمعية العامة لهذا الاستخدام.
ولأني أجهل اسم ليختنشتاين، وأصابتني الحيرة والدهشة، ومن ثم الخجل كيف لا أمتلك في مخزون معلوماتي حتى اسم الدويلة، ذهبت إلى العم جوجل أطلب مساعدته، فأخبرني أن ليختنشتاين هي دولة غير ساحلية تقع في جبال الألب في أوروبا، تحدها سويسرا من الغرب والجنوب والنمسا من الشرق. تزيد مساحتها قليلًا عن 160 كيلومترًا مربعًا ويقدر عدد سكانها بنحو 38,749نسمة (في2019) عاصمة الدولة هي فادوز.
لا تكمن المسألة في تمادي دول نكرة على دولة عظمى مثل روسيا، لأنه من الواضح أن الاقتراح جاء لإحراج روسيا وليس الولايات المتحدة، التي باتت تختبيء وراء دول بل دويلات وإمارات إمّعة ونكرة بمعنى الكلمة.
ولأن الولايات المتحدة صاحبة الاقتراح الفعلية تخشى من فقدان هذا الحق الذي تتمتع به، فقد أوضحت على لسان سفير تلك الدولة – أخشى إذا كررت ذكر اسمها أن تتحول إلى دولة كبرى- أنه ليس المقصود تحديد صلاحيات تلك الدول في استخدام الفيتو، بل اظهار فاعلية المنظمة العاجزة أمام روسيا في حملتها العسكرية على أوكرانيا والتي يسمونها “عدوان”.
وهذا يفسر لماذا لم تتقدم أي دويلة باقتراح مشابه، عندما أكثرت الولايات المتحدة من استخدام حق النقض، خلال سنوات الصراع الملتهبة بين اسرائيل والدول العربية وفي مسألة حقوق الشعب الفلسطيني العادلة، لأن ما يجوز لأمريكا لا يجوز لروسيا بعرفهم. فالمسألة باتت واضحة إلى حد السخرية، كأن يكون صوت دويلة غير معروفة ونكرة على خارطة العالم، معادلا لصوت دولة عريقة مثل الهند مثلا.
يبدو أن هيئة “الأمم المتحدة” ” تسير على خطى “جامعة الدول العربية”، التي باتت دمية في أيدي الولايات المتحدة تحركها كما تشاء ومتى تشاء، لكن ما دامت روسيا والصين ودول أخرى موجودة في الأمم المتحدة لن تقوى الولايات المتحدة وأشباه الدول الدائرة في فلكها من التصرف على هواها، وأي قرار متهور سيعود بالخسارة عالأمريكان كما حصل لهم في فيتنام.
حجبوا عنه إعلامهم.. فقفز عنهم إلى شعوبهم
أشار أكثر من محلل سياسي منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، على أنه لا يمكن فهم بوتين بسهولة أو التعرف مسبقا إلى توجهاته وتحركاته. وقد فاجأ بوتين العالم خلال الأسبوع الماضي بتوجيه رسالة إلى سكان العالم متجاوزًا الدبلوماسيين والحكام والصحفيين، كما قال.
وفعلا دلت التطورات الأخيرة في العملية العسكرية وما يرافقها، على أن بوتين يملك أوراقا لم يتوقعها الغرب، فإضافة إلى إلزام الدول الأوروبية المستوردة للغاز الروسي الدفع بالروبل الروسي بدل اليورو، وصمود الاقتصاد الروسي أمام العقوبات الغربية العاجزة عن وقف التقدم الميداني للجيش الروسي، وجه بوتين ضربة معنوية من خلال رسالته إلى شعوب العالم.
وتحدث بوتين في رسالته بصراحة موضحا للبشرية أن دولته تملك امكانيات كبيرة حيث ” تضطر الشعوب الروسية في روسيا للتضحية بأرواحها لحماية العالم من النازية والفاشية”. وأشار إلى تبادل أسرى كشف عن أساليب نازية في التعامل مع الجنود الروس الأسرى حيث عادوا “بأصابع مقطوعة وأعضاء … مقطوعة “! مؤكدا أنه “سيكون عارًا على كل من يدعم الآن هؤلاء الأوغاد”. والذين يسمون أنفسهم كذبا وزورا بأنهم حارسو “حقوق الإنسان”.
وتابع بوتين مصارحا شعوب الغرب: “لا يقوم بايدن وشولز وماكرون وغيرهم من الديمقراطيين بحماية المجرمين فحسب، بل يقومون بتسليحهم بشكل فعّال وتزويدهم بالمال، وهو ما لا يكفي لخفض الأسعار في بلدانكم”.
وتوجه بوتين إلى تلك الشعوب قائلا: إذا كان قادتكم يدعمون النازية، ادفعوهم إلى أقصى الحدود، خذوا السلطة بين أيديكم.” وأنهى الرئيس الروسي رسالته إلى العالم بالقول:” قضيتنا عادلة. سوف نهزم النازية. أود مشاركة هذا النصر مع الجميع، معًا وفي أسرع وقت ممكن”.
في رسالته هذه يوجه بوتين رسالة واضحة لزعماء الغرب، قائلا لهم وبصراحة :إنه لم يعد يثق بهم وإنه لم يعد بتعامل معهم، وإنهم وإن أغلقوا أمامه القنوات الدبلوماسية وحجبوا القنوات الإعلامية الروسية أمام شعوبهم، فإن هناك أكثر من باب ووسيلة لمخاطبة شعوب العالم دون رقابة من الغرب “الديمقراطي”، وبهذا أظهر بوتين مدى حماقة وسذاجة زعماء الغرب المأزومين.