استراتيجية التغريب عن الواقع
بقلم: عماد خالد رحمة
من خلال القراءات المستفيضة للتاريخ يتجلى لنا بوضوح تام، أنَّ معظم الحكايات الشعبية والسرديات التي تروي سيرة الشاعر العربي عنترة بن شدّاد تم تأليفها ونسجها في فترةٍ حرجةٍ من التاريخ، لأنَّ هذه الاستراتيجية تهدف بعمقها إلى تغطية الأفق بالغبار والدخان ليزيد الغموض والإلتباس. وكي لا يرى الناس ما يحدث لهم ومن حولهم. وأسباب ما يحدث لهم .
فقد كان ما أورده وما يقوله الكاتب ميشيل غريب حول سيرة الشاعر الصوفي أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج يُعد أمثولة تحتذى في هذا السياق، ففي ليلة صَلْبِهِ وحرق جثته شاع بين الناس أن هناك طائراً اسمه الزبزب يخطف الأطفال وهذا الطائر لا يُقاوَم إلا بِطَرْق الأواني النحاسية على أسطح البيوت.
وما نشاهده على مدار الساعة عبر بعض الفضائيات والشاشات لا يخرج عن هذا السياق، فثمة افتعال لقضايا جانبية هامشية والنفخ فيها كي تطفو على السطح وتكون البديل المصنوع لقضايا هامة ومصيرية. ومن هذه القضايا المصنوعة بعناية إعلامية فائقة موجهة ما هو عابر وغير أصيل ويزول الموضوع المصنوع فور زوال أسبابه! لكن الإصرار والإلحاح عليه وعلى نحو درامي يعطيه الأولوية والأهمية ومركز الصدارة، فيما تبقى القضايا الجادة والمصيرية تحت السطح وبعيداً عن أي رصد أو متابعة!
والسؤال الهام الذي يفرض ذاته هو: هل يحدث ذلك كله مصادفةً؟ أم أنَّ وراء أكماته وكواليسه من يخططون لتغريب الإنسان عن عصره وهويته ووطنه ؟
القرائن جميعها تجزم بأنَّ الأمر ليس مصادفةً، لأنَّ المصادفة لا تتكرر بهذا الانتظام المدروس والمبرمج، وحين يتدنى منسوب الوعي لدى الرأي العام في أي مكان في العالم لا يكون السبب الأوَّل والأساسي بالضرورة هو الجهل أو تفشي الأمية، بل هناك أسباب أخرى كثيرة مسكوتٌ عنها منها حجب الواقع والحقيقة مع سبق الإصرار، كي تصبح الأبقار كلها سوداء عندما يعم الظلام كما يقول الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل. وإذا كان الضوء والنورعدواً تقليدياً للصوص وقاطعي الطرق، فهو أشد عداءً لمن يريدون لهذا الليل أن يدوم إلى ما لا نهاية .
