خيبات وأمنيات

عدنان الصباح | فلسطين

 

انطفأت شعلة العام 2020 ولم تنطفئ حرائقه فلا زال شبح الكورونا يتمدد ويمد لنا لسانه مستهترا بنا لا لأنه تفوق على كل العلوم والاكتشافات والقدرات البشرية بل لأنه استطاع ان يتجدد ويتكرر ويرسل لنا نسخا منه دون ان نستطيع مواكبة قدراته وابداعاته.

كورونا يمد لنا لسانه هازئا بنا وبجهلنا ولأننا استطعنا كبشر أن نتوحد ضد وهميته واستحالة الإمساك به أو إطلاق النار عليه في مقتل بل لأننا نستحق منه ذلك ولأننا لا نريد أن نتخلص من فيروسات أسهل منه بكثير، فيروسات صنعناها نحن بأيدينا كبشر وعرب وفلسطينيين فايروسات السلاح والحروب والفساد وسرقة الشعوب وخيراتها واحتلالات وانقسامات، فيروسات العنصرية والطائفية والاقليمية والجهوية والحزبية .

لم تكن معاناتنا سببها الفيروس فقط والذي لا يرغب البعض بتصديق حتى مجرد وجوده فالمعاناة في اليمن وليبيا والعراق وسوريا لا زالت كما هي ولا زال فيروس الامبريالية وتجار الحروب يسرح ويمرح ممعنا قتلا وتدميرا على أيدي الناس هناك أنفسهم يقتلون بعضهم لصالح غيرهم.

خيبات العام 2020 هي هي نفس الخيبات مضافا اليها الخيبة المعلنة خيبة فيروس كورونا الخارجة عن إرادة البشر والتي يرفض البشر الاتعاظ منها كما كان الأمر مع الطاعون والكوليرا وغيرهم وإلى أن تتم السيطرة على كورونا سيكون ضحايا الحرب والصراعات أكثر بكثير من ضحايا الفيروس كما هو الحال بكل الأمراض والأوبئة فالوباء الأخطر من هو من صناعة البشر أنفسهم وبرغبتهم وعبائهم.

لقد قتلت الأمراض من البشر منذ الانفلونزا الاسبانية عام 1918 حتى مطلع عام 2019 ما يساوي 78 مليون انسان بينما ذهب ضحية الحربين الاستعماريتين الأولى والثانية فقط حوالي 115 مليون إنسان وبالتالي فإن البشر يقتلون بعضهم بأسباب كثيرة ومختلفة ومبررة أكثر بكثير مما تقتل منهم الأمراض والأوبئة والأخطر من ذلك اليوم أن العالم كل العالم يتعاطف مع بعضه البعض بكل أشكال التعاطف ويتضامن ضد الفايروس اللعين ويسعى لحماية بعضه البعض من خطره بينما يبرر ويقبل قيامه نفسه بقتل كل ما لا يقف الى جانبه أو لا يتفق معه أو لا ينفذ إرادته بدم بارد وبمبررات البعض يجعل من الهه هو حارسا لجرائمه والآخر يجعل من قوميته والبعض من لونه والبعض من عشيرته او جهته أو حزبه وهذا الانفصام العجيب الذي يعيشه البشر.

إن أمنيات العام القادم تقوم على امنية واحدة أن يدرك البشر مرة واحدة أنهم أمة واحدة وأن عدوهم واحد ومشترك وأن مواجهة كل الأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية هي مهمة إنسانية تماما كما ينبغي لمهمة أهم أن تكون مهمة كل البشر وهي التوقف عن قتل بعضهم البعض.

إن جريمة البشرية الأحمق والتي لا تمت لا للعقل ولا لله ولا للمنطق بصلة هي قتل بعضهم ولذا فإن الأمنية الحقيقية هي نقتنع فقط بما نقول بأن أمة البشر جميعا من أب واحد وأم واحدة وبالتالي فهي أسرة واحدة وإن الله بريء من أفعال شياطين الأرض ممن أعادوا تقسيم أمته على هواهم وصنعوا بدل الله خالق الكون وما عليه آلهة فصلوها على مقاسهم وحكموا واستحكموا باسمها وفي مقدمة آلهتم تلك هو الإله الحقيقي الذي لا يعلنونه وهو المال أيا كانت تسمياته العلنية التي يختفون خلفها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى