ذاكرة مهاجر مختلف.

إدريس الجرماطي | المغرب

فقط لكي تكون حرا في مواجهة كتابة الكلمات، لا تسكن نصوصك بلدا، لا تكن أيضا منتسبا لأية وجهة تجعل لك إطارا في قضيتك، كن كما لو انك وحيدا في الكون، أطلق عنان فرسان خيالك، حتما ستجد بساطا في الأفق يحتضن أفكارك ويمددها إليه.

أحلام في ذاكرة
الطائرة الأولى هذا الصباح ستقتلع فجرا في اتجاه (منهاطن)…
الطالب يفكر في الدراسة هنالك، بلدته لم تعد تستطيع حضن أفكاره، افكاره كثيرة وكبيرة، والبلدة قصيرة الجدران، ينمو بها شبح الفقدان، سماع الشاب كل صباح في مذياعه الصدإ، بأن كل صباح باكر تقلع طائرة في العاصمة في اتجاه (منهاطن) غدا يصبح حلما مؤكدا..
الطالب استكمل دراسته في المدرسة العمومية المتواجدة في العاصمة، بعد ذلك رجع إلى البلدة كي يساعد أباه الفلاح في زراعة الأرض، أرض يتيمة، الأب يعتبرها لهوا وتقصيرا لزمن بالكاد يمر، في صباح يوم مشمس، فكر الطالب في مواجهة الأب الذي يرى في ابنه يدا يمنى، تفكير اختلطت فيه كل الاتجاهات…
كيف سيواجهه. ؟
هل يملك مبررا كافيا للهجرة….؟
كيف سيقنعه ليبيع منزلا قديما، لا يملكان غيره؟
الطالب أصر على المواجهة، واعتبر بأن فكرته، بمثابة فكر، مستبعدا الروح، مستحضرا العقل كوسيط بين الروح والفكر….
يتيه في صراع بين الثلاث….
في مساء ذلك اليوم، جمع كل كتبه، خبأها في غرفة أمه التي لا تقوى على اتخاذ أي قرار، مهما كان القرار سيجدها بعيدة، لأنها لا ترى غير ضياع ابن استكمل دراسته دون الحصول على عمل مناسب، وغيابه سيكون احتراق آخر في ذاكرة تميل صوب العياء، وهي تصارع الزمن من أجل أبنائها الصغار، علهم ينجون من بطش الحياة، وظلم الشارع وظلمات المجتمع، على الأقل لكي لا يفكروا في المعاناة كما اخوهم الأكبر ….
الطالب حائر يرسم الخطوات في البهو القديم، بينما الأب يتساءل بهمس لدواخله عن هموم ابنه الكثيرة ،حول مصير يشبه العدم، ترك التساؤل وسأل :
أي ثقل هذا الذي أراه على فراغات قلبك، أي بني؟
الطالب وسط الحيرة والمواجهة:
الدراسة والحياة هنالك يا أبي…..!
الأب يستنكر الجواب:
هنالك…..؟!
رد الابن في توتر بارز:
في امريكا، حياة مختلفة يا أبي، سنكون أسعد من وضعنا هذا لو هاجرت….
الاب :
كيف، وأنا المسن البالي، وانت ترى وضع أمك المريضة؟.
بكى الطالب، حار منه الضمير، توقف لحظة كبيرة دون اجابة…..
………
الأم، رغم عدم قدرتها على القرار ، تقرر أخيرا:
دعه يرحل، عل الزمن يأتي إلينا به خيرا..
خرج الأب غاضبا متوترا، مستحضرا كل الاحتمالات، لم يكن الأمر سهلا، بقي يستشير أصدقاءه الفلاحين، اعترفوا له، بأن الأرض فاشلة، وان الوطن لا يعترف بتقصيره على أبنائه… تراجع الأب عن أفكاره،
بعد أيام باع الأب منزله القديم،
فرح الطالب، وأجهز نفسه على المغادرة، ولما استكمل الشروط، ودع الأسرة على أمل اللقاء، الطائرة تسبر خيوطها في سماء مظلمة….
بعد مرور أيام طوال. توصل الأب بتقرير قضائي، وتشريح طبي، يفضي بقرار وداع محتوم….
فهم الأب أن ابنه لن يعود، أنهكه الخبر، وسقط ميتا على الأرض كمحصول أخير..
الأم تتابع مسار قضية ابنها المغادر… لم تتنازل ، توصلت أخيرا بتأمين يكفيها معاشا لتدريس الصغار….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى