رواية المطلقة دعوة للتّغيير الإيجابي
المحامي رضوان صندوقة| القدس
لا شك أن رواية “المطلقة” للكاتب جميل السحلوت قد صدرت بتوقيت بالغ الأهمية، نظرا لاستفحال ظاهرة الطلاق في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والعربي عامة، والتي بلغت نسبة 30 %، دون أن تشمل هذه النسبة الانفصال في فترة الخطوبة، بحيث استشرت هذه الظاهرة الاجتماعية بشكل لم يعد خافيا على أحد، وقد وُفّق الكاتب أيّما توفيق عندما اختار هذا الموضوع، فهي وإن كانت عملا أدبيا صيغ بإحكام، فهي أيضا محاولة من الكاتب لمعالجة هذ الظاهرة الاجتماعية.
وأسلوب السرد الروائي المشوق جعلني وللمرة الأولى أنهي قراءة رواية في يومين فقط، بعد أن واصلت الليل بالنهار، حيث كتبت بلغة واضحة مفهومة لا تكليف فيها ولا تصنّع، تحثّ على القاريء مواصلة القراءة دون تعب أو تكلف في الغوص بأسرار الرواية ومقاصدها التي توخّاها كاتبها.
ومّما يميّز هذه الرواية أنها أعدّت لجميع الفئات الاجتماعيّة وليس لفئة محددة فقط، كما جرت عليه العادة، بل خاطبت جميع أطياف المجتمع الفلسطيني؛ لأن جميع شخوص الرواية إمّا أنه زوج ضحّى بإمرأة وبطفل صغير حرم من العيش في كنف والديه أو هو ضحية لهذا العمل، أو يسلب حقوق امرأة مطلقة، وقد يشترك بالأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الأهل، أو المجتمع بأسره من خلال عادات بالية.
جاءت رواية “المطلقة” صرخة ورسالة ونداء استغاثة، لوقف هذا النزيف الذي أصبح جرحا ينخر خاصرة المجتمعات العربية، هذه الخاصرة الرخوة التي تُسبب المعاناة والظلم الذي يقع على المرأة، فتكون هي وأطفالها أولى ضحاياه. والرّواية تدعو من يعلق الجرس لرفع الظلم عن النساء المطلقات، وعن أطفالهنّ إن كنّ أمّهات، والسّبب أحيانا ناتج عن جهل في الفهم الصّحيح للدّين، وباسم الدين والأعراف علق الجهلاء دون وجه حق، المشانق لكثير من النساء اللواتي يبحثن عن الستر.
ومن اللافت كثرة الأمثال الشعبية التي وردت على ألسنة شخوص الرّواية ليدعم من خلالها كل واحد منهم وجهة نظره، وتناغمت هذه الأمثال بشكل سحري ومتقن مع وقائع هذه الرواية، وكأن الكاتب يريد أن يضخ الدماء في حروفها بعد أن تساقطت مثل شعر الشباب عند قصّ شعورهم حسب ما يسمّى “قصّة المارينز”، والتي لم تغب عن عقل الكاتب وقلمه، ويعيدها الى مكانها وتراثها، كجزء من هوية هذا الشعب.
استطاع الكاتب من خلال رواية “المطلقة” الوقوف على بعض الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى حالة انتشار ظاهرة الطلاق، ومنها تسلط العنصر الذكوري في مجتمعنا العربي، وكأننا لسنا أمام عقد زواج مقدس، بل أمام صفقة بضاعتها نساء، والذي كان واضحا عندما سردت جمانة بطلة الرواية للقاضي أسباب طلبها مخالعة زوجها، وطلبها للطلاق والقيود التي أراد الزوج أن يكبل زوجته (جمانة) بها دون وجه حق أو سند شرعي مقبول، كأن يطلب أسامة من زوجته جمانة تقبيل قدميه، كما ورد في الجزء الأول “الخاصرة الرخوة”، والخطورة التي تقع عند تدخل الأهل بالحياة الزوجية للزوجين دون أن يكون خلف تدخلهم وازع أخلاقي أوديني أوعقلي كمراجعتهم للمشعوذين وللمشايخ الدجالين، كما فعلت أمّ أسامة طليق جمانة، وكأن المجتمعات العربية لا تحمل بيدها إلا سياط التخلف الموروث، كما حدث مع عائشة التي هتك سترها، بسبب الجهل الاجتماعي في عذريتها، وكأننا نعود مرة أخرى أمام ” ثقافة الهبل وتقديس الجهل” .
لقد أحسن الكاتب عندما أبقى الأمل في هذا المجتمع، وترك خاتمة الرواية بزواج المطلقة من آخر، وبث رسائل الأمل المتجدد في عدم حمل المطلقة وزرا هي بريئة منه، مثل قوله في الصفحة 147 بالقول : ” لا مشكلة عند المطلقة، لكن المشكلة في مجتمعنا ونظرته السلبية للمرأة” وأن أهل العلم أمثال الشقيقين الدكتور فريد الذي تزوّج حمانة والمهندس رمزي الذي تزوّج شقيقتها تغريد قد ألقوا الأفكار الهدامة والنابعة من أعراف بائدة لا تتوافق مع الشرع الحنيف أو العقول المستنيرة.
من الأمور اللافتة في الرواية هو جدار حماية المطلقة من ألسنة سياط الجهل -كما حدث مع عائشة-، هو الأسرة المثقفة المتعلمة والمشبعة بدفء الحب، والإبقاء على الروابط الأسرية القوية الدافئة بين المطلقة وعائلتها بعد طلاقها، وبيدها طفلها واهتمام أسرتها برعايته بحب، وبين حالة نقيضه لهذه الظاهرة بعدم احترام المطلقة وعدم تبنيهم للأولاد الذي يصبحون ضحايا الطلاق بين ليلة وضحاها. وصدق الإنتماء عند عائلة فارس الذي عانى من مرض السرطان بعد معاناته وعذاباته في السجون والمعتقلات، فقد احتضنت أسرته زوجته وأكفاله حتّى بعد وفاته.
وممّا يلفت الإنتباه هو تدعيم آراء شخوص الرّواية بآيات قرآنية، ليقول أهذا الذي فيه تختلفون؟ فالعبرة ليس بالنصوص بل بكيفية تفسير العقول الضيقة والحاقدة هذه النصوص تفسيرا خاطئا؟ ويأتي فيما بعد الجواب عندما تدرس جمانة الشريعة الإسلامية، لتتعرف على حقوقها وتدافع عنها بفهم صحيح للنّصوص الشّرعيّة.
28-9-2020