إدوارد الثامن ملك يعيش ما كتبه شعراء العرب
مريم حميد | تركيا – العراق
بعد قيس ليلى وجميل بثينة وعمر بن أبي ربيعة لم نجد من يغني:
(حبذا حبذا حبيب.
تحملت منه الأذى)
لم يطبع أحد قُرن اسمه بقصة عشقه كأولئك العشاق الذين نسي الناس أسماء آبائهم وقبائلهم فألحقوهم بأسماء حبيباتهم
حتى جاء القرن العشرين ليطبعه الملك إدوارد الثامن بقصته مع (واليس) وليكتب تحت كل بيت من أبياتهم فصلا من فصولها.
إدوارد الثامن المولود 23- ينويو – 1894 واسمه الكامل إدوارد ألبيرت كريستيان جورج آندرو باتريك دايفيد وينزر ومن تسمياته قبل التنصيب ملكا الأمير ادوارد يورك وكورنول ودوق كورنول ودوق روشيساي وأمير ويلز.
تولى الحكم بعد وفاة والده واستمر حكمه 11 شهرا فقط منذ بداية عام 1936حتى الثالث من شهر ديسمبر عام 1936 م وهي أقصر فترة حكم في تاريخ المملكة بعد حكم الليدي جين غراي وإدوارد الخامس.
كما يعد الملك الوحيد الذي تنازل عن الحكم بإرادته المحضة ليتزوج من المرأة التي يحبها. فمن تلك المرأة التي تنازل إدوارد الثامن عن الحكم لأجلها؟ وما قصته معها؟ وقبل كل ذلك كيف تعرف عليها حتى شكا لوعة الحب؟!
كانت هذه أسئلة الشعب البريطاني وهو يستمع لختام خطاب التنازل عن العرش
(بنفسي من اشتكي حبه.
ومن إذا شكا الحب لم يكذب).
التقى جلالته بالسيدة (واليس سمبسون) في إحدى الحفلات عام 1926 كما يشير بعض المؤرخين.
إنه صاحب الشعبية الهائلة عند الشعب
الملك الأربعيني المعروف بهدوئه وأفكاره المتحررة بعض الشيء وحبه للرياضة والفروسية.
تعرف على السيدة (سمبسون)، وهي في أوائل الأربعين من عمرها كما تشير إلى سنة ولادتها الموسوعة الحرة ويكيبيديا 1896م.
في حين يقول بعض المؤرخين: إنها تكْبر الملك بنحو 8 سنوات وخلال عام وبضعة أشهر اشتعلت نيران الهوى بينها وبين الملك كما تدل على ذلك رسائلهما التي عرضت في إحدى مزادات إيطاليا.
وجاء في إحداها (لن تعرفي أبدا مدى حبي لك) وفي إحداها أيضا يقول: (حبيبتي أحبك كثيرا البعد عنك هو الجحيم)، كما عُرضت بعض الملابس الخاصة بهما، والفازات الكريستال والمجوهرات واقلام الكارتييه الذهبية
(ومن لا أبالي رضا غيره.
إن هو سر ولم يغضب)
//
(ومن لا يطيع بنا أهله.
ومن عصيت له أقربي)
وبعد قصة الحب هذه بدأ الملك يعلن عن نيته بالزواج من السيدة سمبسون التي لم تحصل على الطلاق بعد من زوجها الثاني الذي لا تزال تحمل اسمه سمبسون فثارت حفيظة العائلة المالكة واعترضت على هذه الزيجة لأجل الأسباب التالية:
– السيدة سمبسون أميريكية ولا يجوز – وفق القانون – الزواج من أبناء الجنسيات الأخرى
– لا تنتمي سمبسون إلى الكنيسة الإنجليزية التي تحرم الطلاق مطلقا وتحرم الزواج من المطلقات.
– السيدة سبمسون في الأربعين من العمر وسبق لها الزواج مرتين كما إنها لم تتمكن من الحصول على الطلاق من زوجها الثاني.
(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)
وهنا ينطبق عليه بيت قيس ليلى حيث عاش ما لم يعشه قيس والتقى بحبيبته بعد التشت والفوارق الكثيرة. وقد لا تكون هذه الفوارق موجودة بين الكثير ممن يفترقون من العشاق.
وهنا بدأت تتأزم الأوضاوع وبدأ أفراد العائلة المالكة يهددون بقتل إدوارد إذا لم يتراجع عن قراره. فكان بين خيارين إما السيدة سمبسون وإما العرش؟ وكانت سمبسون هي الفائزة بعد أن توصل جلالته لاتفاق مع العائلة المالكة والحكومة البريطانيا برئاسة ستانلي بالدوين الذي كان يعارض بشدة فكرة أن يوجه الملك خطابا عبر إذاعة بي بي سي يطلب فيه من الشعب مساندته والوقوف معه في أزمته إلا أن رئيس الحكومة لم يسمح له إلا بكلمة وداع أكد فيها على حبه وإخلاصه للبلاد ولأخيه الملك جورج السادس الذي تنازل له عن العرش قائلا:
(ستكون أول كلماتي إعلان الولاء له وهو شيء سوف أفعله من كل قلبي إنكم جميعا تعرفون السبب الذي جعلني أتخلى عن العرش لكنني أريدكم أن تعرفوا أنني إذ اتخذت قراري ولن أنس أبدا البلد والإمبراطورية اللذين أحاول أن أخدمهما طوال 25 سنة. أولا بوصفي أمير ويلز ثم بوصفي ملكا ولكن عليكم جميعا أن تصدقوني حين أقول لكم: إنني وجدت من المستحيل أن أقوم بواجبي الثقيل وأن أتخلى عن مسؤوليتي كملك لولا العون والدعم الذي قدمته المرأة التي أحب) في هذه الأثناء كانت المرأة التي يحب في نيس في فرنسا مختفية عن الأنظار تستمع إلى خطابه بحذر وخوف مما يحمله المستقبل وفي الوقت نفسه يستمع الشعب البريطاني إلى هذا الخطاب الذي أثبت ما تداولته الصحف لكنه أثار إعجاب الشعب البريطاني بموقف ملكه وهنا رأوا أن من تنازل عن الحكم لينصف المرأة التي أحبته هو رجل غاية في النبل لا يمكن أن يظلم شعبه لكنهم تمسكوا بنظرتهم إلى سيدة سمبسون كامرأة خائنة لا يجوز الزواج منها بعد خطابه الأخير وفي اجتماع عائلي وقع وثيقة التنازل وغادر القصر بشكل اعتيادي دون أن يتم توديعه كملك لم يحظ حتى بالواداع الذي أقيم للملك فاروق ملك مصر والسودان الذي كان في ذلك الوقت ينتظر أن يرسل له الملك ادوارد الثامن وثيقة اعتراف به كملك لمصر والسودان بعد تنصيبه فتأخرت الكثير من إجراءات التنصيب بسب الأزمة التي ضاق خناقها على ادوارد الثامن.
وهكذا ربح ادوارد حبه الذي لحق به ليتم مراسيم الزواج بشكل بسيط في كاندي بفرنسا وبحضور قليل من الأصدقاء المقربين وبذلك أصبح حاله مصداقا لبيت عمر بن أبي ربيعة
(ومن لا سلاح له يتقى.
وإن هو نوزل لم يغلب)
وحين تنازل عن العرش تجرد عن كل ألقابه وراتبه وسلطاته لكن لم يغلب إذ فاز بالحب الذي بقي مخلصا وهادئا أمام ما تمخض عنه من عواصف كما يروي هنري جاي 90 عاما جنايني الخاص بحديقة الدوق والدوقة وندسور وهو اللقب الذي حمله الملك بعد تنازله عن العرش وكذلك زوجته ذهب جلالته إلى النمسا فور تنازله عن العرش وبقي هناك 5 تشهر حتى استكملت سمبسون إجراءات الطلاق ثم التحق بها وتزوجا في الثالث من يونيو عام 1937 وفي 1938 .
ثم بدأت تصادف الزوجين بعض العقبات لأنه كان يتحتم على جلالته اختيار المنزل المناسب وتأثيثه كأي عريس وهنا بدأت مشاكله مع مهندسي الديكور والعمال وتفاصيل دقيقة لا عهد له بها من قبل مما اضطره إلى تكبد المعاناة بصمت والتأمل كما هي عادته.
وقد اتفق الزوجان منذ انتقالهما لعش الزوجية آلا يسمحا لأنفسهما بإهدار الوقت في الخلافات المعتادة بين أي زوجين فكفاهما ما مضى من عقبات.
وبحكم عملي التقيت الكثير من ضيوف الدوقة والدوقة لكن لم يزره أيا من أفراد العائلة المالكة سوى أخيه الدوق هنري دوق جلوستر .وكان ذلك نهاية عام 1938م.
وتأثرت زوجته أليس بهذا الوضع الهائلي وكان عدم الرضا واضحا عليها. الأمر الذي بقي يحز في نفس جلالته حتى وفاته إنه شخص غير مرغوب به من عائلته وأبناء شعبه فكان يزور والدته وأشقاءه بين فترات متباعدة، كما سمح له بحضور جنازة والدته لكنه كان يؤكد أنه اتخذ القرار الصائب في تخليه عن العرش لأجل امرأة فكتب إلى والدة (واليس) يشكرها على هديتها يقول: (إنها أغلى وأثمن من كل جواهر التاج الملكي وإنها تستحق ما أفعله من أجلها).
الفارق الاقتصادي: كان واضحا أيضا لدرجة إنهما لم يستطيعا أن يدعوا أكثر من شخصين لحضور عيد ميلاد (واليس) الذي أقيم في يخت أبحر من الشواطئ الشرقية من فرنسا إلى الشواطئ الإيطالية التي لم تسمح لهما قوات البحرية بالاقتراب منها في عهد موسليني لكن فيما بعد عرف الزوجان فترات من المرح والسفر والحفلات والعشاء الفاخر التي يقيمها في منزلهما كما إنهما زارا ألمانيا واستقبلهما أودلف هتلر وتجولا في المصانع الحربية والمدارس وهذا ما أثار حفيظة الحكومة البريطانية التي قامت على الفور بتعيين الملك السابق حاكما للبهاما وانتقل هناك هو وزوجه فحازا على محبة وشعبية كبرى من شعب البهاما فعرف عنهما الدوام في المؤسسات الحكومية من المدارس ومستشفيات وحتى أماكن الحجر الخاصة بمرضى الملاريا وخرجت الحشود لتوديعهما عند انتهاء مهمة إدوارد وعودته لفرنسا التي قضى فيها بقية أيامه مع واليس التي حرص على الاعتناء بها وتلبية طلباتها عندما تمكنت منها الشيخوخة والمرض بسب ورم في الدماغ أثر على سمعها وبصرها الأمر الذي جعلها عصبية جدا لكن القدر كان يخبأ له الأعظم حيث أصيب هو بسرطان الحنجرة الذي أنهى حياته في السابعة والسبعين عمره عام 1978 وأُعيد جثمانه إلى المملكة المتحدة ورافقته واليس إلى مثواه الأخير بعد واسطة عند الملكة اليزبيث التي سمحت لها بحضور تشييعه لكن بشرط الدخول من البوابة الخلفية للقصر وعدم الوقوف في الشرفة لتوديعه وتغطية وجهها بخمار يتدلى من قبعتها بعد ذلك عادت واليس لتعيش في عزلة ووحدة تامة إلى وفاتها عام 1987 وهكذا انتهت قصة حب طبعت القرن العشرين واختير بطليها كأكثر الأشخاص تأثيرا حول العالم.
من يقرأ سيرة واليس يعرف أنها امرأة سريعة الملاحظة ذكية جدا أنيقة مرحة ذات صفات أهلتها لأن تكون نجمة اجتماعية من طراز أول ويقول أيمن التهامي صاحب كتاب (ملوك وملكات: مائة عام من الحب ومائة عام من الخيانة). (إنه كان – أي ادوارد – ذا عاطفة جياشة ورومانسية رقيقة ودفء كبير أما واليس كما قال عنها أحد اصدقائه كانت ذات شخصية قوية ومتسلطة بينما هو قضى عمره يتعلم الأدب على أيدي المربيات).
وفضل أن يكون ملكا في أعماقه على أن يكون رجل الكوتشينة الذي لا يمكن أن يحس أبدا إنه رجل نبيل.