مستقبل سوق الطاقة العالمي وإرهاب الدول المنتجة للنفط

د. صلاح حزام | خبير تخطيط عراقي يقيم في سلطنة عمان

يبدو أن هنالك شكلا من أشكال الإرهاب النفسي الذي يُمَارس على الدول المنتجة للنفط ودفعها للإيمان بعدم أهمية ما تملكه من مورد شديد الأهمية لديمومة الحضارة الإنسانية.

كذلك فإن شعورا من هذا النوع قد يدفع الجهات المسؤولة عن إدارة هذه الثروة بقبول شروط غير منصفة في اتفاقيات تطوير حقولها باعتبار أن الشركات تستثمر أموالها في قطاع غير مضمون المستقبل وفيه مخاطر عالية ولابد من إغرائها للعمل والاستثمار بمنحها مزايا غير اعتيادية.

لذا يدور الحديث بين الحين والآخر حول مستقبل سوق الطاقة في العالم ودور النفط في المستقبل في توفير حاجة العالم إلى الطاقة.

ويتكرر التحذير، أيضا، من قرب استغناء العالم عن النفط مما يثير الذعر في نفوس الذين يعتمدون على ايرادات النفط كمصدر أساسي أو وحيد تقريبا، في تمويل ميزانياتهم وإدامة عجلة الحياة في بلدانهم.

ومصدر القلق الأساسي يأتي من إمكانية العثور على مصدر طاقة بديل عن النفط يكون أنظف من النفط وأقل تلويثا للبيئة، وأحيانا يكون أرخص وله عرض غير محدود أحيانا أخرى، وإمداداته مضمونة أكثر من النفط.

كذلك تثار قضايا استبدال النفط بالكهرباء لاسيما في تشغيل السيارات التي يوجد منها الآن بحدود 600   مليون سيارة في أرجاء العالم. وهذا الرقم يستهلك الكثير من الوقود بطبيعة الحال. وسوف نحاول في هذه الورقة تتبع مدى واقعية العوامل التي وردت أعلاه.

بالنسبة للنقطة المتعلقة بالتلوث وسعي العالم إلى التخلص من النفط للحد من التلوث الذي يسببه نتيجة انبعاثات الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري؛ فعند مراجعة مساهمة مصادر الطاقة المختلفة في إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة، حصلنا على الأرقام التالية (للعام 2018) من منظمة الطاقة العالمية 2019م :

  • الفحم 27%
  • الغاز الطبيعي 24%
  • الطاقة الكهرومائية 7%
  • الطاقة النووية 4%
  • النفط 34%
  • اخرى (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) 4%

 

والسؤال المنطقي الذي نطرحه هنا: هل من المعقول أن يسارع العالم إلى التخلي عن النفط ويبقي على الفحم وهو المسؤول الأول عن التلوث؟

وإذا تم التخلي عن الفحم، وهو ماسوف يحصل حتماً، فأي مصدر سوف يكون مؤهلاً لكي يحل محله؟

لقد لاحظنا من الأرقام أعلاه مدى تواضع مساهمات مصادر الطاقة الأخرى، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية. كما يبدو أن معدل نمو إنتاجها لا يمكن له أن يلبي الحاجة المتصاعدة للعالم. في حين نجد النفط وحده سيكون قادراً على التعويض لحين الوصول إلى بدائل أخرى في المستقبل مثل الطاقة المستخرجة من الهايدروجين بعد تكسير جزيئات الماء.

غير أن بعض الكتاب مثل (جيرمي ريفكن) الذي أصدر كتابا عنوانه: (اقتصاد الهيدروجين بعد نهاية النفط) ويتحدث فيه عن نفاد الاحتياطيات النفطية وليس عن الاستغناء عنها. ويحذر من الذهاب إلى البدائل الأكثر تلويثا للبيئة مثل الفحم.

أما بخصوص مساهمة مصادر الطاقة المختلفة في توليد الكهرباء في العالم للعام 2018م، وفق (منظمة الطاقة العالمية ، 2019) فإنها كما يلي:

  • الفحم : 38%
  • الغاز : 23 %
  • الكهرومائية : 19%
  • النووية : 10%
  • الشمسية : 7%
  • النفط :3 %

وهنا نرى هيمنة الفحم واضحة، وقد أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرارا بإيقاف كافة محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري بحلول العام 2025. حيث إن الولايات المتحدة تعتمد بنسبة 34% على الفحم في توليد الكهرباء. وبسبب توقيع الولايات المتحدة على اتفاقية باريس بخصوص المناخ كان يجب على الولايات المتحدة الالتزام بتعهداتها.

ولكن مجيء الرئيس ترامب وقراره بالخروج من اتفاقية باريس جعله يلغي قرار الرئيس أوباما للحفاظ على صناعة الفحم وحماية وظائف العاملين في هذا القطاع. وكان هذا القرار بمثابة انتكاسة للجهود الرامية للحد من التلوث في العالم.

كذلك فإن الهند والصين (وبشكل خاص الهند) تزيدان من استهلاك الفحم بشكل كبير لاسيما في توليد الكهرباء حيث يساهم الفحم في توليد 80% من الكهرباء في البلد.

ولايزال 40% من توليد الكهرباء في العالم يتم باستخدام الفحم. حسب بيانات البنك الدولي حيث تبلغ تلك النسبة 70% في الصين 34% في الولايات المتحدة و33% في اليابان.

أما النقطة الثانية والمتعلقة بصدور قرارات بمنع استخدام السيارات التي تستخدم البنزين والديزل من العمل في عدد من المدن الأوربية بحلول العام 2040 ، والسماح فقط للسيارات الكهربائية بالعمل وما سببه من هلع لدى بعض الجهات، فإنه ببساطة يهدف إلى نقل التلوث من داخل المدن إلى خارجها .

إن تحويل مئات ملايين السيارات إلى استخدام الطاقة الكهربائية (مع كل المشاكل والتحفظات المطروحة عليها) سوف يقود إلى توليد مزيد من الكهرباء لأن الطاقة لاتخلق من العدم. وهذا يعني استخدام المزيد من الفحم والغاز والبترول في محطات توليد جديدة ينبغي إقامتها لتلبية الزيادة في الطلب على الكهرباء. ولا يعقل أن يتم تشغيل محطات الكهرباء الجديدة بالفحم للأسباب المذكورة أعلاه. 

وبالتالي فإننا قد نشهد بعض التحول في استخدام الوقود السائل من خلال ازدياد استهلاكه في توليد الكهرباء بدل استخدامه مباشرة في تشغيل السيارات.إضافة إلى ذلك يجري تداول معلومات عن الطاقة النووية كبديل محتمل نظرا لما تولده من طاقة هائلة. ولكن تكاليف المفاعلات العالية ومخاطرها كما حصل في مفاعل تشرنوبل في الثمانينيات ومفاعلات فوكوشيما اليابانية في عام 2011 والتوتر السياسي الذي يصاحب إنشائها عادة (لاسيما اعتراضات أنصار البيئة) وخطورة حفظ النفايات النووية، لقد أدى ذلك كله إلى بطء نموها وإغلاق العديد من المفاعلات بعد حادثة اليابان خاصة.(ألغيت مشاريع اقامة ثماني محطات نووية في ألمانيا بعد حادثة اليابان).

أما مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة الأخرى كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية فإن مساهماتها محدودة كما لاحظنا من الأرقام التي تقدمت ولايمكن لها أن تحل محل الحصص الكبيرة للفحم والنفط والغاز.

وهنالك اعتراضات على استخدام الرياح لتوليد الكهرباء عن طريق التوربينات الخاصة بذلك، حيث إن انتشارها يشوه المناظر الطبيعية إضافة إلى ارتفاع تكاليف صيانتها. كما إن التوليد عن طريق الأشعة الشمسية يواجه تحديات التخزين خلال الليل وخلال الأيام الغائمة إضافة إلى الحاجة إلى التنظيف الدائم للألواح الشمسية من الغبار لأن تراكمه يخفض من كفاءة التوليد.

        وهنالك أبحاث حثيثة تجري في محاولة لاستخراج الهيدروجين من الماء عن طريق تكسير جزيئات الماء. لكن هذه الطريقة لازالت تجريبية وذات كلفة باهظة جدا.

ونكرر هنا للإفادة: يبدو أن هنالك شكلا من أشكال الإرهاب النفسي الذي يمارس على الدول المنتجة للنفط ودفعها للإيمان بعدم أهمية ما تملكه من مورد شديد الأهمية لديمومة الحضارة الإنسانية .

كذلك فإن شعورا من هذا النوع قد يدفع الجهات المسؤولة عن إدارة هذه الثروة بقبول شروط غير منصفة في اتفاقيات تطوير حقولها باعتبار أن الشركات تستثمر أموالها في قطاع غير مضمون المستقبل وفيه مخاطر عالية ولابد من إغرائها للعمل والاستثمار بمنحها مزايا غير اعتيادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى