قراءة في كتاب “رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة” لفاطمة كيوان.

د. روز اليوسف شعبان

 إصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم. تدقيق لينا عثامنة. رسومات منار الهرم

اخترت أن أبدأ قراءتي لهذا الكتاب من الفقرة الأخيرة فيه، حيث تنهي الكاتبة كتابها بما يلي:” لنصونَ تراب بلادنا، تراثًا.. وآثارًا ومعالم سياحيّة، ونصون لغتنا العربيّة الأبيّة، وعاء القرآن الخالد، لغتنا ولغة أجدادنا، فهي لنا الأم، وهي لنا الهويّة، وسنبقى هنا مغروسين كأشجار الزيتون، إلى أن يتحقّق الحلم، ويرفرف السلم على ربوع بلادنا، وتُحلّ القضيّة، ويصبح أطفال بلادنا يغنون بحريّة”.
رسالة جميلة وقيمة سامية تحملها الكاتبة في نفسها وروحها، ثمّ تودع هذه الأمانة للرحّالة أبي الحروف الذي يبدأ رحلته في الأقطار العربيّة، حاملا رسالة السلام والمحبّة والحريّة وحفظ اللغة العربية وصيانتها والاعتزاز بها. كيف لا وهي الهوية الوطنيّة، لغة الأمّ والأجداد ولغة القرآن الكريم؟
يمكن اعتبار كتاب فاطمة كيوان، من أدب الرحلات الخاصّ بالناشئة، فأبي الحروف يقوم بزيارة على بساط الريح منطلقًا من قرية الرامة إلى عدّة بلدان عربيّة: لبنان، مصر، سوريا العراق الأردنّ، فيرى أبو الحروف أهمّ المعالم في كل بلد وأشهر الكتّاب والشعراء. في لبنان يلتقي أبو الحروف مع جبران خليل جبران وخليل مطران، في سوريا: كوليت خوري، عمر الفرا، نزار قباني، ويمرّ بقلعة تدمر التاريخيّة ذات الآثار الآشوريّة، والينابيع العلاجيّة، لكن المدينة أصابتها ويلات الحرب فصارت خرابَا. وفي عمان يزور مدينة البتراء العريقة، ثم مدينة جرش فيرى مدرّجها الروماني ويلتقي بالشاعر مصطفى وهبي التلّ. من عمان يطير الرحّالة إلى بغداد، فيزور بيت بدر شاكر السيّاب، إلّا أنّ أزيز الرصاص وأعمدة الدخان المتصاعدة تثير في نفسه الحزن والأسى. ثم يلتقي بالشاعر أحمد مطر الذي كان يفور غضبًا على وطنه الذي خُدشت كبرياؤه بلا حياء(ص 11). وفي مصر يلتقي بالشاعر حافظ ابراهيم ويتداولان معا قضية اللغة العربيّة، ويسمعه بعضًا من قصيدته” اللغة العربية تنعى حظها”:”
وسعت كتاب الله لفظًا وغايةً
وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليومَ عن وصف آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعات؟”. ص 13.
ثم يسأل أبو الحروف عن أحمد شوقي أمير الشعراء الذي أنشدت له ام كلثوم عدّة قصائد. من القاهرة يعود أبو الحروف على بساطه السحريّ إلى وطنه فلسطين حيث يزور القدس، رام الله التي يزور فيها متحف وضريح الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش، فيغني قصيدة درويش:” أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي.. ص 17.
ثم يزور الخليل، أريحا، الناصرة، التي يلتقي فيها بالشاعر حنا أبو حنا، فيزوران معا ضريح الشاعر الراحل توفيق زياد، ويلقي بعضًا من أبياته المعروفة:” سأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلًا باكيًا يضحك
ونصفه الثاني لمن يحمي زهرةً خضراءَ أن تهلك”. ص 19.
وعندما حطّ رحاله في ظلّ زيتونة ضخمة ، واذ بالشعراء: شكيب جهشان وحنا ابراهيم وسعود الأسدي يمرّون من هناك، فيجلسون معه في جوقة أدبيّة زجليّة.
من خلال هذا الاستعراض لأهمّ ما جاء في كتاب فاطمة كيوان، نجد أنّه يزخر بالمعلومات عن البلدان العربيّة وشعرائها وأدبائها، وهذا أمر ضروريّ وهامّ، لكنه قد يثقل قليلًا على الطلّاب، من حيث زخم المعلومات والأسماء والأماكن والمعالم الأثريّة. كما نجد أنَّ الكاتبة خصّت فلسطين بذكر عدد كبير جدًّا من الأماكن والشعراء، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، فالكاتبة تعتزّ بوطنها وبكلّ ما فيه من معالم وأدب وثقافة وحضارة، ولربّما كان أسهل على الناشئة لو جُمعت هذه المعلومات لهم في كتاب خاصّ منفرد.
في الختام يمكن القول إنّ كتاب رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة، كتاب جميل بغلافه ورسوماته، بمضمونه وبلغته السليمة التي يتخلّلها السجع والاقتباسات الشعريّة، وهو إضافة إلى ذلك كتاب معلوماتيّ هام للناشئة، يعزّز فيهم الانتماء للوطن وحبّ اللغة العربية، يعرّفهم بأكبر الشعراء والأدباء في الدول العربيّة وفي فلسطين، وقد يثير لديهم تعاطفًا تجاه البلدان العربيّة التي أصابتها ويلات الحروب فدمّرت الكثير من حضارتها ومعالمها الهامّة. وقد يكون هذا الأمر محفّزًا للناشئة للبحث والاستزادة في المعلومات عن الإرث الأدبي والتاريخيّ والحضاريّ للبلاد العربيّة، الذي أثّر تأثيرًا بالغًا على حضارات العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى