وصمدت الناصرة بسكانها العرب مسيحيين ومسلمين
سعيد مضيه | فلسطين
ذكرت سميرة خوري :” أوقفوا الرحيل وقت 48. كانت النسوة ينمن بجانب الشاحنات ومنعوا الرحيل. شعرنا بالتمييز العنصري مع الاحتلال، فكرنا بإنشاء حركة نضالية للدفاع عن حقوق المظلومين.شارك معنا يهوديات مناضلات في جميع الأنشطة[5/75]. تبين من شهادة سميرة خوري، وكانت عضوا بعصبة التحرر، شأن بقية العضوات، والبعض مناصرات. كان هم الجمعية الأساس منع الناس من الهجرة ، ثم تطور ليشمل مناحي عديدة. بالإضافاة الى النضال السياسي اهتمت الجمعية بمجالات اجتماعية ثقافية إنسانية… نتحدث اولا عن الدور التحريضي الذي لعبته الجمعية: “نزور البيوت اين كل واحدة في حارتها وبين جيرانها يا جماعة لا ترحلوا، خليكم قاعدين في البلاد. يقولون :شوفي شو صار في دير ياسين؟نقول لهم :إحنا هون ، إن قتلونا ننقتل في بيوتنا، أفضل.نقاوم، لماذا يقتلوننا ؟مش رح يقتلونا”[5/76].
كانت عضوات الجمعية ومعهن نساء كثر يلقين بانفسهن امام الشاحنات، من أجل منع الناس من الرحيل. جاء رجال العصبة، حضروا الى المدرسة. جاءت صبايا يدعونني ، ‘طوقوا الحارىة الشرقية’، وانتقلنا الى الحارة الشرقية. ضربنا طوقا من النسوة، لا تخرجوا من بيوتكم. وجدنا عددا من رجال الحارة اخذوا الى المسكوبية –مركز بوليس- كي يرحلوهم. انتقلت النسوة الى الساحة امام المسكوبية، أحضرنا لهن الطعام والملابس ، بعضهن جاء على عجل بقمصان النوم . نطالب بإطلاق سراح رجالنا. وقفنا امام المسكوبية، جلسنا ، حاولوا طردنا بالخيل وبالبرابيج تطلق مياها ساخنة، وأحيانا استعملوا العصي، وصمدنا , وضعوا الرجال بالشاحنات ، كي يرحلوهم. قلنا لن يتم هذا إلا على أجسادنا. وكلما حركوا الشاحنات ليخرجوها من بوابة المسكوبية نستلقي على الأرض، وحينئذ يعيدوا السيارات.استمراعتصامنا من العاشرة صباحا حتى الرابعة بعد الظهر ؛ اطلقوا سراح الرجال واخرجوا معظمهم من الساحة. قلنا غدا نكمل النضال لتحرير البقية5/77].
إثر نجاح النضال في منع التهجير تحمست النسوة لتأسيس جمعية النهضة، التي اعتمدت النضال المطلبي أساسا للعمل. “لجأنا الى مختلف وسائل النضال، كالمظاهرات وتوعية النساء بالمحاضرات. بالنضال يمكن نكسب حقوقنا ، مع بعض واصلنا الاجتماعات لنخطط في بيت أم فؤاد نصار.( في ذلك الحين كان فؤاد نصار على راس من تبقى من أفراد عصبة التحرر في فلسطين يمسكون جمرة مقاومة الإحباط بالضفة الغربية ) عملنا بيتها مقرا لنا…شاركت النساء في مظاهرة احتجاجا على الجوع والبطالة، تعرضت المظاهرة للنيران، وذلك إبان الحكم العسكري. قاد المظاهرة منعم جرجورة، أحد قادة نقابة العمال العرب، وأطلقوا عليه الرصاص. اما نحن النساء فلم يستطيعوا تفريقنا، نصرخ ‘خبز وعمل’. في اليوم التالي اعلن عن طلب عمال لقطف الزيتون والحمضيات بالرملة. إذن ، حصل تجاوب مع مطالبنا. تأكد لدينا ان التجمع والتنظيم ضروريان لنا…تشاورنا 7-8 من النساء في تشكيل الجمعية، كان من بيننا بنات وشقيقات شيوعيين. عقدنا اجتماعا ثانيا أواخر تشرين ثاني 1948 حضره حوالي 74 امرأة انتخبن هيئة إدارية وأقرين دستور الجمعية، أسميناها جمعية النهضة النسائية “[79-78].
شرعنا نزيل الجهل والأمية، ضروري للمرأة ان تقرأ ولا يكفي ان تستمع الى محاضرات. عضوات في الجمعية انضممن الى الحزب الشيوعي، وكان ذلك مصدر قوة وتفعيل لنشاط الجمعية.
اما في مناطق غير الناصرة فنورد مقتطف من شهادتين: افادت زكية حليله: أخبرونا في يازور اننا تعرضنا لخيانة وطلبوا منا مغادرة القرية . قام جيش الإنقاذ بنقل الأطفال ، فالمعركة ستدور بين جيشين. البعض هرب الى الرملة والبعض الى اللد والبعض الى ارتاح. بقيت زكية مع والدها ، ومع الإلحاح على وجوب مغادرتها نظرا لكونها انثى وصغيرة السن، قالت انها ستلتحق بأخيها في يافا، مع اللجنة القومية. مكثنا سبعة أشهر ، وجاء شقيقي أبو علي ، مع تكسي. التقى به حافظ الحمد الله وسأله عن الأخبار ، واجاب : يافا خربت ،البعض ركب البحر والبعض في السيارات.
وداد الأيوبي كانت مديرة مدرسة بنات المالحة،حكت عن ترويع اهالي القرية بجريمة قتل جماعية بعيد مجزرة ديرياسين: كانت شوارع المالحة تعج بالناس وكلهم يبكون ، ويرحلون خارج القرية. تضيف: “انتقلْتُ الى القدس عند أقاربي ؛ وفي أيار انسحب الإنجليز ، بعد أن سلموا القلاع والمباني، ومنها النوتردام لليهود. كانت مطلة على القدس الشرقية، وفي كل يوم يقنصوا شهداء…. توجهنا الى أريحا، ولن انسى منظر أهالي الرملة واللد، هربوا من البلدتين الى رام الله ثم الى أريحا . البعض نسي الابن ؛ واحدة قالت وهي تبكي حملت المخدة ، “حسبتها ابني”، انتقل البعض في شاحنات والبعض في باصات ، حطّوا الترحال تحت الشجر ، مأساة يصعب وصفها[5-96] .