الميتافكشن في رواية علي خيون (كأنها لي)
أ.د مصطفى لطيف عارف| ناقد وقاص عراقي
(الميتافكشن) هي طريقة حداثوية جديدة إذ أن الروائي رجل ابتدع فكرة قراءة الرواية من قبل بطلة الرواية الدكتورة (أماني الياسين), ويكون النص في سياقه الصحيح, وتبدو أن هناك بطلة تروي قصتها كسيرة غيرية, فنراها تقول : أنفقت عمري في توفير قناعات صعبة لنفسي , كي تستمر الحياة على أحوالها التي قدرت لي, كأنني على ثقة من ان تمردي واستيائي لن يجلبا لي ما أريد, فانحاز إلى خيار الخضوع ,والروايةُ الجديدة كما وصفها عدد من الروائيين، هي الفنُّ الذي يُوفِّقُ ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، ولعل هذا الوصف ينطبق على الفن بصفة عامة وعلى الرواية, بصفة خاصة، حتى لو ادعى الكُتَّابُ أنْفُسُهُمْ غيرَ ذلك إلاَّ أنَّ الروايةَ الجديدة تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً، أي لا بد للخيال من أن يكون له دور فيه، فالنص الأدبي لا يكتسب صفته الأدبية إلا بالانتقال من الواقع إلى التخْييل وبقدر نجاحه في ذلك يكون نجاح العمل بصفة عامة, وإذا أقررنا بنجاح عملٍ أدبيٍّ ما، فإن البحث عن أسباب النجاح هو بحث في قدرة الكاتب على رسم الواقع بصورة جمالية تلامس صورتها الأصلية مع مسحة فنية للخيال.
ونجد ذلك واضحا عند الروائي (علي خيون), وهو يتحدث لنا عن المكان ,بلسان الراوية/ البطلة أماني الياسين فنراها تقول: كنت أظن إنني لن أراه أبدا لكنني رايته في القاهرة من بعد عقود من الغياب خفق قلبي بقوة كأنه عرفه دنا مني تعثرت كلماته وهو يشكو إلي ظمأ السنين نعم اعرف انه ظمي ومهجور وتائه من بعدي , نعم اعرف ذلك ولكن ما عساي أن افعل غير أن استأذن ينهض على أحداث, ووقائع من حياة صاحبه مهما كان مغمورا, ولذلك يحدث أن تكتبها شابة غير معروفة كما في حالتنا هذه, أو يكتبها كاتب شهير كما في حالات كثيرة لكن هذا الاختلاف بين الرواية الجديدة , ورواية السيرة الذاتية لا ينفي أن بينهما تشابها بديهيا, مردّه أنهما كلاهما يستندان إلى تذكّر خاص لوقائع وشخوص من حياة الكاتب, وتلك هي المشكلة: أنهما معا يقعان في المنطقة التي تفصل بين الخيال والحقيقة, إن صلة الإبداع الأدبي بِمُحِيطِهِ الاجتماعي والتاريخي هي من القضايا الفكرية المستعصية على التدقيق، وقد نتجت عنها استعمالات نظرية ومنهجية ذات مفاهيم تنتمي إلى عدة حقول معرفية: اجتماعية ونفسية وفلسفية، ولذلك فإن ما تقتضيه تلك الصلة حين يتعلق الأمر بالخطاب الحكائي هو الانتباه إلى حالة من التخييل المركب: ظاهر ومضمر، متحقق ومحتمل، محايد ومباشر، لولاها لظل أي تصوّر للتخييل الحكائي بعيداً عن امتلاك قيم ثقافية نوعية ودالَّة ,ولعل من أهم القضايا النقدية التي تناولها الروائي (علي خيون) قضية فلسفة الحب في روايته الجميلة (كأنها معي ) والتي تميزت كتابته بشعرية عالية ,وشاعرية كبيرة , فهو يملك أسلوبا جميلا في تقنيات الكتابة الروائية, ولديه القدرة العجيبة في شد المتلقي بتسلسل الأحداث, والشخصيات ,والفضاء السردي الرائع, أن عنوان الرواية تم ذكره في الرواية نفسها عن طريق المذكرات التي كتبتها أماني الياسين عن نفسها فنراها تقول: لم اصدق نفسي حينما رايته قبالتي في معرض الكتاب الدولي في القاهرة وقد غدا أنسانا يملك الغنى والصيت معا , المفكر والفيلسوف خالد مرزوق الغانم وراح من فوره يحدثني عن كتابه (كأنها معي) وهو عني فهو ما زال يحمل الرأس نفسه وما فتئ الحب يجري في عروقه كان الدنيا لديه توقفت لحظة التقينا في المتنزه المجاور لبيتنا , يبدو أن هناك علاقة عميقة لا مفر منها بين مخطط حياة الروائي (علي خيون) الفرد كحكاية من ناحية, وبين شكل الرواية نوعا أدبيا جديدا يحتوي على تقنية حداثوية ظهرت لدينا في الكتابة الروائية الجديدة من ناحية ثانية لكننا يجب أن نلقي مزيدا من الضوء على هذه العلاقة الإشكالية المتزايدة في القص العراقي المعاصر ولا سيما انه يتحدث عن تجربة حقيقية للحب, أو متخيليه عن فلسفة الحب ,وهي طريقة كتابة الرواية عن طريق (الميتافكشن) ; أضحت سمة مهيمنة على هذا القص ,لقد أصبح من دأب الكتاب أن يستخدموا موادا من حياتهم الشخصية الفعلية, وأن يعلنوا عن ذلك في متن النص الروائي نفسه, ولم يكن من قبيل المصادفة أن أشهر النصوص الروائية في السنوات الأخيرة كانت نصوصا ,سيرا ذاتية, أو شبه سير ذاتية, ومما يجدر ملاحظته هنا أيضا أن هيمنة الصيغة للسير الذاتية جاءت مواكبة لاتجاهات طليعية وتجريبية في الكتابة, لا في الأدب العربي وحده, بل في كل آداب العالم, لقد جاءت هذه الصيغة وكأنها إعادة اكتشاف للعلاقة الخصبة المربكة بين الذات والواقع, بين عالم الداخل,وعالم الخارج , كما ترتكز رواية (كأنها معي) على آلية السرد ألاسترجاعي التي تقوم بتفعيل عمل الذاكرة وشحنها بطاقةِ استنهاض حرّة ,وساخنة للعمل في حقل السيرة الذاتية, فنراها تقول :
هذا ما حصل حين رايته اول مرة في المتنزه المقابل لداري , وعرفت ان اسمه خالد الغانم لكنه الغانم الفقير الذي انطق خجلي فكتبت له القصائد وشغل فكري حتى نهرني ابي وهو ينعته بالحافي, ويطرده شر طردة ذلك الفتى الذي أحبني وإنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية, صار رجلا ناضجا , وغدا فيلسوفا بفضل الحب والفلسفة إبهار وسعة اطلاع وذكاء خارق, والرواية الجديدة التي تتضمن تقنية (الميتافكشن) يتكفّل فيه الراوي برواية أحداث حياته،عن طريقة بطلة الرواية (أماني الياسين) تتحدث عنه بشكل مفصل ويجري التركيز فيها على المجال الذي تتميّز فيه شخصيته الحيوية، كأن يكون المجال الفني ,أو الاجتماعي , ,كلّما كان ذلك ضرورياً وممكناً، ويسعى في ذلك لانتخاب حلقات معيّنة مركّزة من سيرة هذه الحياة، وحشدها بأسلوبية خاصّة تضمن له صناعة نص سردي متكامل ذي مضمون مقنع ومثير ومسلٍّ، وتحاول الراوية الإفادة من كلّ الآليات السردية لتطوير نصّها, ودعمه ما أمكن بأفضل الشروط الفنيّة، على ألاَّ تخلّ بالطابع العام حتى لا يخرج النص إلى فن سردي آخر، ولا يُشْتَرَطُ على الراوية الاعتماد على الضمير الأوّل المتكلّم، بل قد يتقنّع بضمائر أخرى تخفّف من حدّة الضمير المتكلّم وانحيازه، بشرط أن يعرف المتلقي ذلك لكي لا تتحوّل إلى سيرة غيريّة، بحيث يظلّ الميثاق التعاقدي بين الكاتب, والمتلقي قائماً.