أمي شجرة، أبي غيمة، وخالتي حمامةُ باب الغار
خالد جمعة | فلسطين
لم تكن حكاية الحمامة باب الغار مجرد معجزة، بل رسالة مفادها البسيط أن أضعف الكائنات يمكنه أن يحمي من أعتى الجبروت، عنكبوت وحمامتان مقابل جيش من الغاضبين، فقدوا الأثر وانصرفوا.
خالتي كانت تلك الحمامة، بعشّها الذي ما زال قائماً في الحكاية وفي ذاكرتي، أما أمي التي فوجئت بأنها شجرة دائمة الخضرة في كل فصول السنة، فإن ظلها ما زال يمشي بباب البيت كأنه يحرس النائمين في ظهيرة الصيف، ويطرد المتطفلين عن شبابيك بيتنا، هذا بالطبع في الوقت الذي لا تقوم فيه بصناعة الحياة ـ الخبز ـ أو استضافة قطة الشارع التي كسر الأولاد قدمها الخلفية.
أبي كان غيمة السماء الوحيدة التي لا تغادر سقف حارتنا، تتشكل في أوضاع لا نهائية، ثم تقرر فجأة أن تهبط على شكل أغنية محملة بالماء، فتغني ونغني.
أمي شجرة الورد التي تخدعنا أحيانا، وتثمر برتقالاً وقصصا عن الشهداء، وعلى العكس من كل الأشجار، تدور في البلاد وتخصّب تربتها، ثم تمضي إلى قريةٍ هُجّر سكانُها، وتزرع نفسها في وسط القرية تماماً، حيث كان الثوار يقاتلون ويستشهدون، بعضهم لم يترك وصيةً، ولكن أمي بما هي شجرة ليست كالأشجار، كانت تمتص الوصايا من التراب، وتنشرها في الهواء مثل عطر أزهار الليمون في عز موسمها.
الشجرة والغيمة والحمامة، في انتظار من يقصّ الحكاية، ويقصّ الأسلاك حول عيون الماء، فقد عطشنا يا أمي، جعنا يا أبي، أرهقتنا الآمال يا خالتي.