الفهم الصحيح للدين

الكاتب محمد القصبي | مصر

يلح جاري في صلاة العشاء أمس على الإمام أن ينبه المصلين إلى أهمية الصيام اليوم “وقفة عرفات” .. وقبيل مغادرتي المسجد يذكرني جار آخر بضرورة ..بل بحتمية الصيام في هذا اليوم.. وقبل مطلع الشهر تنهمر علي..كما هو حال كل المسلمين عبر السوشيال مئات البوستات ومقاطع الفيديو التي تؤكد أننا مقبلون على أعظم أيام في التقويم البشري..والمقصود الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة .. وعلينا أن نزداد تقربا إلى الله عز وجل..في تلك الأيام العظيمة..
وطبقا لنصائح مشايخنا الأجلاء يكون التقرب إليه سبحانه وتعالى ..بالصيام ومزيد من الأدعية والأذكار وتلاوة القرآن وقيام الله.. وخلال الأيام الماضية استقبلت مقطع فيديو يشدد صاحبه ..وهو شيخ جليل..على أن ثمة ٦ ساعات هي الأكثر أهمية خلال الأيام العشرة..الساعات الست الفاصلة هذه تبدأ من ظهر يوم وقفة عرفات وحتى المغرب .. وعلينا أن نضاعف خلالها من الأدعية والأذكار والابتهالات وتلاوة القرآن.. ولست شيخا..بل مسلما بسيطا ..لكنني أرى أن هذا الذي يلح عليه مشايخنا الاكفاء لايكفي..
– تكتظ محاكم مصر بأكثر من ٦٠ مليون قضية..وطبقا لتصريحات وزير العدل تنظر تلك المحاكم ١٥ مليون قضية سنويا.. وكل قضية تعني ببساطة أن هناك ظالما تعدى على حدود وحقوق غيره..
– منذ عدة أيام شكا لي صديق أنه يعاني من صعوبة في رؤية أولاده..حيث تفتعل مطلقته المشاكل والمبررات لتحول دون رؤيته لفلذات كبده..وهذا حال ملايين المصريين.. مطلقين ومطلقات..العناد والمغالاة في الخصومة يدفعان البعض إلى أن يحرم الطرف الآخر من رؤية أولاده..” تجربة قاسية عانيت منها عقب وفاة زوجتي الأولى رحمها الله ..حيث حرمت من رؤية ابنتي لأكثر من ثماني سنوات..”!!
– في مصر ملايين النساء يحرمن من ميراثهن الشرعي ان مات الأب أو الأخ أو الأم..أو .. وكثير من هؤلاء النساء يعانين من ظروف معيشية قاسية ” واحدة من هؤلاء شقيقها شيخ..هل هو الآن منهمك في إرسال البوستات إلى المسلمين ناصحا لهم بمزيد من التقرب إلى الله في الساعات الست الأعظم ؟!!” .
– وكما نرى تحولت مصر إلى مقلب زبالة..كل يرمي مخلفاته أينما كان..وبسبب تفشي الظاهرة اعتدنا على القبح وتعايشنا معه ونسهم في استشرائه ولا نرى في ذلك مشكلة ..خاصة وأن مشايخنا الأجلاء لاينبهوننا إلى حديث الرسول الكريم”:« الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ سَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَرْفَعُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».

– وماأكثر شعب الإيمان التي تشدد على فعل الخير..على التكافل..على العدل.. على الأمانة..على مراعاة حقوق الآخرين.. لكن مشايخنا الافاضل لايرون في الدين سوى أدعية وأذكار وهل صليت على النبي..ولاشيء عن الاقتداء بسلوك وأخلاق النبي!!
– هل يقول مشايخنا..أن العشرة الأوائل من ذي الحجة هي الأعظم في تقويمنا الإنساني.. وأن الساعات الست التي تبدأ من صلاة الجمعة اليوم وحتى آذان المغرب هي الأعظم في الأيام العشر تلك..؟ إذن لنستجيب لنصائحهم- مشايخنا الأجلاء- نصوم ونكثر من أدعيتنا وأذكارنا..وابتهالاتنا إلى الله. لكن هناك مالايقل أهمية..بل لايستقيم الدين بدونه..العمل الصالح الذي شدد عليه سبحانه في أكثر من ٤٠ آية في القرآن الكريم..بل لزم الإيمان بالعمل الصالح” الذين آمنوا وعملوا الصالحات”..
– ليت كل منا في هذا اليوم العظيم..وفي الساعات الست الأعظم أن يبادر بمد يد الصلح لكل من تخاصم معه ..أن يعيد أي حق اغتصبه لصاحبه..أن يطلب العفو والصفح من كل من أخطأ في حقه..ألا يرمي بمخلفاته أينما كان..أن يمد يد العون لكل محتاج..

لو فعلنا ذلك……
يقينا سيهل عيد الأضحى والأمة أكثر خيرا وجمالا .. وتصبح تهنئتنا الشائعة و التي نتبادلها في هذه المناسبة أكثر مصداقية..وتجسيدا لفهمنا الصحيح للدين……
عيد أضحى مبارك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى