عيد الأضحى بين الأنثربولوجي والتعبدي

أجدور عبد اللطيف | المغرب

      تزداد كل سنة جحافل الْمُشَنِّعِينَ على النسك القاسية قلوبهم الذين يُقْبِلُونَ على جز رؤوس “الأرواح البريئة” بكل فرح وغبطة، ويحولون حيوات هذه المخلوقات على الأرض إلى جحيم.

وطالعت تدوينات ومنشورات – خيطها الناظم وعلامتها المشتركة: وفرة الأخطاء الإملائية والبلاغية والإصطلاحية- تخوض في مواضيع جدلية متعلقة بعبادة النحر، ولا أخفي أن بعض هذه الآراء تُسَرِّيَ عن النفس وتروح عن القلب لسذاجتها في أحيان كثيرة، مواضيع تدور في فلك: أ الروح تسكن الخراف المضحى بها أم النفس؟ وما الفرق بين هذه وتلك؟ وهل الذبح طقس ديني أم مجرد موروث ثقافي خرافي؟ وهلم جرا، وللأمانة فإن بعض التدوينات النادرة الشاذة استعرضت الموضوع بغير قليل من التقصي التاريخي الموضوعي والتتبع المنطقي للتفصيلات.

وبالموازاة كل سنة تزداد مشاعرنا تجاه الأعياد والمناسبات شحوبا، ويعم تواطئ خفي على إنجاز الطقوس المتعلقة بهذه الأيام بميكانيكية خالية من كل أثر محبة أو شغف، أو على الأرجح أنا أرى الأشياء كذلك، وهكذا يلح تساؤل منطقي مفاده ما الذي تغير في الطفل الذي كنته يوم كانت فرحة العيد تملئ جوفه كما يملئ التبن كيسا عتيقا في موسم حصاد وفير؟ وهل تغير الكبار؟ وهل تغير الأقران الذين قاسمناهم الحلوى والقطع النقدية والركض من وخلف بوجلود؟ وهل تغيرت رائحة فطائر أمي المحلاة بالزبدة والعسل التي كانت ترغمني على ترك الفراش وأنا الذي لا يقايض بالنوم شيئا آخر؟ أوقن أن أمي ما غيرت نوع الدقيق مثلا، كما لم تغير قط فرحتها وعطفها وبذلها رغم قضائها كل عيد ساعات في المطبخ، ويعز عليها رغم ذلك تخلف كل الضيوف الواجب قدومهم، ثم هل تغير وقع التقاسيم الأندلسية الذي تبثثها الإذاعية الوطنية في هذه المناسبات؟ وهل تغيرت الإذاعات في ترانزيستور والدي التي كانت تصدح صباحات العيد ب “يا ليلة العيد” فتفعمنا بمشاعر علوية لا يفلح في إيفادنا إياها سوى الحبال الصوتية لفيروز.

فلا تتردد بخلدي سوى مقولة تشيخوف الضاربة في العمق والحق: يشيخ الانسان عندما يتوقف عن الحلم ويبدأ في التذكر.

عموما لا نختلف أن الإيمان الذي يشغلنا يوجب التصديق بكلمات الله: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، وبمقتضى هذه الإشارات الربانية أتقدم لكل الأصدقاء والصديقات بتهاني العيد الدافئة، ولنتذكر رغم كل السياقات الحالية التي تبعث على الأسى والحزن، ورغم كل الراحلين الذين تناثروا مؤخرا، لا يسعنا سوى أن نمضي بحب وتباث وحسن ظن بربنا ورب الراحلين ورب العيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى