الحبيبُ الأوّلُ

خالد رمضان| تربوي مصري- سلطنة عمان
خرجتُ من بيتي ذاهبًا إلى السوقِ، وأنا أجولُ بين البائعين وإذا بصوتٍ حانٍ يخترقُ أذني، وظلّ حتى مسّ شغافَ قلبي، واستقرّ بداخلي، فسكنت جميعُ جوارحي، ولا زالت البرتقالةُ في يدي، فلم أضعْها في كيسها، ولم أتركْها مكانها .
هذا الصوتُ هزّ كياني، وأثّر في وجداني، فانتظرتُ برهةً وأنا أشعرُ بالنشوى، ولا أعرفُ سببها، وحين رفعتُ رأسي كانت المفاجأةُ، إنها هي، فعلَقت عيناي بعينيها لحظات قلائل، فكأن الدنيا قد خَلَت، وكأن السوقَ قد انفضَّ فلا يُوجدُ به سوانا .
يااااااااا ألله.
إنها هي التي لم أرها منذ عشرين عاما، تلك التي خطّت بعبيرها الفواح على صفحاتِ قلبي الناصعةِ، وغرست بنظراتها أولى بذور الحبِّ الأول بين جنبات نفسي، فما استطعتُ أن أجتثَّها، ولا استطاع الزمن محوَها.
هنا…. وقتها…. أحسستُ أن عقاربَ الساعة قد توقفت، وتلك السنواتُ الطوالُ قد تجمدت، وكأنه فيلمٌ سينمائيٌّ ومخرجُهُ قد ركّز عدسةَ التصوير على عينيها فلا يظهر على سطح الشاشة سواها.
تحدثنا كثيرًا دون أن ننبس ببنت شفة……..
أطالت نظرتَها، ثم نكّست رأسها، واستدارت ورجعت بقدميها للوراء، ومشت قليلا ثم استدارت، ورفعت رأسها، وألقت نظرتَها الأخيرةَ، ثم اختفت وسط الزحام …..
انصرفتُ من أمام البائع وأنا لا أعلم ماذا أريد؟
هل أكملُ تسوقي؟ أم أعود لمنزلي؟
هل أنا سعيد؟ أم شقي فقد ما كان يريد؟
عدتُ لبيتي وأنا أحملُ مشترياتي،فاستقبلتني زوجتي بالابتسامة الجميلة على محيّاها، وكذلك أولادي أقبلوا عليَّ مهرولين فرحين يحملون الأكياس ويفتحونها وهم يضحكون ويهللون.
هنا تضاربت مشاعري، وتشتّت أفكاري، ما هذا الذي انتابني؟!وما هذا الشعور الغريب الذي غمر جميع وجداني؟
ثم دار حوارٌ بيني وبين نفسي…هل مازال ذلك الحب الأول موجودًا؟ إذا كانت الإجابة ُ: لا
فلمَ هذه السعادة، والفرحة العارمةُ عند رؤيتها؟
هب أنه مازال موجودًا، إذًا فما الحيلةُ؟
لقد أصبحت زوجةً، بل أمًّا ، وأنا أيضًا لي زوجةٌ تحبني، وأولادٌ يعشقونني، فما إلى هذا الحب من سبيلٍ.
أنا لا أستطيع أن أنكرَ وجودَه لأنه أوّلُ حب في حياتي… هنا..

هتف صوتٌ بداخلي أيقظني من غفوتي قائلا:
إن هذا الحبَّ القديمَ كضوء الشهب التي تضئ الظلامَ، ثم سرعان ما يختفي، كسراب الصحراء الذي يحسبه الظمٱنُ ماءً، ثم لا يجده شيئا، وكهذي الفقاقيع التي تظهر على صفحات المياه ثم لا تلبثُ أن تنقشع ولا يظهر لها أثرٌ.
وإذا بصوت العقل المفكّر يقول لي :
من الممكن أن تُطلّقَ، وتتزوجها زواجا شرعيا حلالا، وهنا يرد ضميري على عقلي مذكّرا إياه بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم – ” ملعونٌ من خبّب امرأةً على زوجها “، فسكت العقل، ولم يحر جوابا .
هذي أقدارُ الله قدّرها قبل أن يخلقنا، وهو أعلم سبحانه بما ينفعنا، فوهبك زوجةً أحبتك، وباعت الدنيا واشترتك، فلا تستحق منك الأذى والنكران، ثم إن هذه الحبيبة القديمة لها زوجٌ، وأولاد، فلا تسعَ لتدمير ما أصلحه الله تعالى.
ابتسمتُ ابتسامةً طويلةً حتى بدت نواجذي، واستفقتُ من غفوتي فإذا بزوجتي أمامي، وأبنائي حولي، فاحتضنتُهم سويّا، ثم حمدتُ الله تعالى على نعمائه التي لا تُحصى ولا تُعد، واستغفرتُ الله عما جال بخاطري، واستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى