ثقافة الهبل (3)

جميل السلحوت | القدس الشرقية – فلسطين

استهبال الشّعوب في الفكر القوميّ

        علينا الانتباه أنّه لا توجد حتّى الآن دولة عربيّة إسلاميّة، وإن ادّعت بعض الأنظمة أنّها اسلاميّة، وكذلك الحال بالنّسبة للدّولة القوميّة. ولم يحصل حتّى الآن أن اتّحدت هذه الدّول على أساس دينيّ أو قوميّ.

         ومع استهبال الشّعوب بشعارات الوطنيّة والقوميّة والاسلاميّة الرّنانة، إلا أنّ الجهل هو السّائد في المنطقة العربيّة، وبدلا من أن تتطوّر المنطقة العربيّة وتواكب العصر إلا أنّها مع الأسف تتراجع على مختلف الأصعدة بطريقة لافتة للأعمى وللبصير.

    وللوقوف على مستوى التّراجع كبديل للتّطوّر في عالمنا العربيّ، دعونا ننتبه إلى ما وصلت إليه دول مثل اليابان، ألمانيا، وإيطاليا، التي خرجت من الحرب العالميّة الثانية مهزومة ومدمّرة، وغنيمة حرب للدّول التي انتصرت في تلك الحرب، ولا تزال مرتبطة باتّفاقات الاستسلام في تلك الحرب، وبعد انتهاء الحرب بأقلّ من عشرين عاما، أصبحت هذه الدّول من الدّول الصّناعيّة والمتطوّرة في مختلف المجالات، وهي من الدّول الثّريّة ذات المخزون الماليّ الهائل.

      في حين بدأ استقلال الدّول العربيّة بعد تلك الحرب، وأصبحت دولا مستقلّة لها علمها الوطنيّ وحدودها المعروفة، وبعضها لم يخضع للاستعمار كالسّعوديّة وشمال اليمن، ورغم ثروة البترول الهائلة في بعض الدّول العربيّة، إلا أنّ غالبيّة الدّول العربيّة لا تزال مدينة بمليارات الدّولارات، ولا تصنيع يذكر في هذه البلدان، ولا تطوير للزّراعة أيضا، ولا في استخراج الثّروات الطّبيعيّة، ولكم أن تتصوّروا دولة أوروبّيّة مثل بلجيكا، عدد سكّانها ستّة ملايين نسمة، ويعيش سكّانها على صيد السّمك وتصنيع الأخشاب، يساوي دخلها القوميّ في السّنة دخل السّعوديّة أكبر منتج للبترول في العالم. ومن مظاهر استهبال الشّعوب بعدم التطوّر هو إرجاع أسباب ذلك إلى قوى خارجيّة! وهذا يحمل في طيّاته اعفاء للأنظمة وللشّعوب من مجرّد التّفكير بأسباب المشاكل، أو العمل على تحسين الأوضاع.

 

الوحدة العربيّة

       القواسم المشتركة بين الأقطار العربيّة وشعوبها كثيرة جدّا، لكن بدلا من تثقيف الشّعوب على أهمّيّة الوحدة العربيّة، جرى ولا يزال تكريس الاقليميّة، ولم تجر محاولات للوحدة على أساس قوميّ إلا زمن الرّئيس المصريّ جمال عبد النّاصر، حيث اتفق على توحيد مصر وسوريا في العام 1958، وجرى الانفصال بعد مرور حوالي أربع سنوات على الوحدة، ومّمن وقّعوا على الانفصال حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، الذي يرفع شعار”أمّة عربيّة واحدة، ذات رسالة خالدة” وهذا الحزب الذي حكم سوريّا والعراق لعقود، لم يستطع توحيد القطرين الشّقيقين والجارين، بل كان نظاما البعث الحاكمان في هذين البلدين على خلافات واسعة وصلت حدّ القطيعة وتبادل الاتّهامات بينهما.

حاول الرّئيس الليبيّ الرّاحل معمر القذّافي طرح مبادرات وحدويّة، لكنّها كانت فقاقيع هواء ليس أكثر.

      صحيح أنّه جرت وحدة بين اليمن الجنوبيّ والشّماليّ في العام 1990، إلا أنّ محاولات الانفصال لم تتوقّف بينهما. وبدلا من الوحدة جرت حروب بين الدّول العربيّة، وهذا ما حصل بين مصر وليبيا في عهد السّادات، وبين المغرب والجزائر، وبين العراق والكويت، حيث احتلّ العراق الكويت عام 1990، وحاليّا بين السّعوديّة واليمن، وقد شاهد العالم جميعه اصطفاف عدد من الدّول العربيّة مع أمريكا وحلف النّاتو في الحرب على العراق عام 1991، واحتلاله وتدميره عام 2003.  وكذلك اصطفاف دول عربيّة مع قوى أجنبيّة معادية لتدمير وقتل وتشريد شعوب العراق، سوريّا، ليبيا، واليمن من خلال تمويل وتسليح وتدريب الجماعات التّكفيريّة التي تمارس أبشع أنواع الارهاب ضدّ شعوبها وأمّتها.

 

تحويل الهزائم إلى انتصارات

            المتابع لما يجري في العالم العربيّ سيجد أنّه يتراجع في المجالات كافّة، بدلا من أن يتقدّم كبقيّة الدّول والشّعوب، والسّبب الرّئيس في ذلك هو الجهل السّائد، فحوالي ربع المواطنين يعانون من الأمّيّة الأبجدية، ونصف المواطنين أشباه أمّيّين، والتّعليم بما فيه الجامعيّ ليس كما يجب، ولا يواكب التطّور الحاصل عند الشّعوب الأخرى، ومراكز البحث العلميّ ليست كما يجب أيضا، ولا توفّر لها الامكانيّات للقيام بدورها، وهل ننتبه أنّ عدد العاملين في مجال البحث العلميّ في اسرائيل يزيد على عدد العاملين فيه في الدّول العربيّة جميعها؟

       وحتّى في المجال العسكريّ، فإنّ دولة صغيرة ووليدة مثل اسرائيل، تتفوّق عسكريّا على الدّول العربيّة مجتمعة. ولا تزال تحتفظ بالأراضي العربيّة التي احتلّتها في حرب حزيران 1967، ” الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس، وهضبة الجولان السّوريّة، وتحاصر قطاع غزّة برّا وبحرا وجوّا” وتقوم بتهويد القدس وباقي الضّفّة الغربيّة بسرعة ملحوظة، ووقّعت اتّفاقات “صلح” مع مصر والأردنّ، في حين تقيم علاقات تجاريّة وأمنيّة مع دول عربيّة أخرى دون الإعلان في كثير من الحالات عنها.

       واللافت أنّ أيّا من الأنظمة لم يعترف بمسؤوليّته عن تلك الهزيمة، باستثناء الرّئيس المصريّ الرّاحل جمال عبد النّاصر، بل اعتبرتها “نكسة” وليست هزيمة.

       وحتّى الأحزاب والقوى السّياسيّة العاملة على السّاحة العربيّة، وتعتبر نفسها طلائعيّة! اعتبرت نتائج تلك الحرب الكارثيّة نصرا! لأنّ”اسرائيل لم تستطع اسقاط النّظامين التّقدّميّين في مصر وسوريا، ولم تستطع هدم الكيان الأردنيّ”! أليس في هذا الفهم استهبال للشّعوب؟

“يتبع”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى