أوراق الخريف.. شيزوفرينيا (٤)
شرين خليل | مصر – المنصورة
استيقظت من النوم في منتصف الليل وصوت بكاء آلاء يُحاصرني من كل إتجاه فلقد رأيتها في أحلامي وهي تبكي كما كانت تبكي في الحقيقة..
لم أتذكر شئ من الحلم سوى بكاء آلاء الشديد والغريب هو شعوري بأن هذا البكاء تعبير عن ندم أو خطأ ارتكبته آلاء ..
في ظل السكون الذي يُحيط بي سمعت صوت، إنه أبي يقرأ القرآن فهو يستيقظ دائماً قبل صلاة الفجر ويجلس لقراءة القرآن..
الهدوء جعلني أسمع مايقرأ جيداً لذا خرجت من غرفتي لأتحدث معه:
الله يابابا صوتك جميل وأنت تقرأ..
-نورهان!! صاحيه ليه؟
-مش جاي لي نوم..
-ليه يابنتي في حاجه شغلاكي .
-حلمت بآلاء أنها بتعيط..
-العياط فرج يابنتي..
-ياريت يابابا لأني زعلانه عشانها..
-ربنا يصلح حالها وحالنا جميعاً..ادخلي نامي ولا استني صلاة الفجر خلاص باقي على الفجر ربع ساعة صلي الأول..
-حاضر يابابا بس عاوزه أسألك عن الآيات اللي كنت بتقراها ممكن تقراها تاني وتشرحهالي من أول إن المنافقين .
حاضر ياحبيبتي..
بدأ أبي يقرأ الآيات:”
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَـؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً”.
ثم نظر إليّ وقال:
ربنا يكفينا شر المنافقين يابنتي دي نوعية صعبة من الناس عشان كده ربنا حذرنا منهم واخطر منافق اللي بينافق في الدين لكن هايروح من ربنا فين ربنا مطلع وعليم بذات الصدور وعارف كل اللي بيدور جوا العقول .. دايماً ادعي إن ربنا يبعدهم عنك ..
عارفه يانور لما تبقي عارفه إن اللي قدمك بيكرهك أفضل من إنك تكوني مخدوعة وتتصدمي في حد وثقتي فيه..
-معاك حق يابابا لازم نحذر وناخد بالنا من تصرفات اللي حوالينا ومانصدقش أي كلام لإن في ناس عندها قدرة إنها تخدعنا.
-ربنا يحفظك يابنتي إنتِ واختك…
-يارب بابا ويخليك لينا..
-الفجر خلاص هايأذن أنا هانزل الجامع.. وإنت صلي ونامي عشان عندك شغل الصبح ..
-حاضر يابابا..
مع صوت الآذان شعرت بأن هناك نور قادم فعندما يشتد الظلام يأتي شعاع النور بأمل جديد، حياة جديدة أدركت فيها معاني كثيرة كنت أغفلها وبعد الإنتهاء من الصلاة جلست مرة أخرى لإقرأ وهذه المرة أبعدت قلبي وقرأت بعقلي الشيزوفرينيا أو مرض الفصام ”
“يختلف الفصام عن تعدد الشخصيات، فالفصام مرض عقلي لا تتعدد فيه الشخصيات، فشخصية المريض واحدة لكنها تتدهور تدريجياً، ولا تعود عادة إلى وضعها الأصلي،وأما تعدد الشخصيات فهو أحد الإضطرابات الإنشقاقية وهي حالة نادرة جداً تتسم شخصية المريض شخصيات مختلفة في أوقات مختلفة، ينتقل من شخصية لأخرى، ويقضي في كل شخصية عدة ساعات أو بضعة أيام ثم يعود لشخصيته الأولي”.
من الواضح أن هذا المرض غامض وتتداخل أعراضه مع أمراض أخرى ..
كل صفحة أقرأها أرجع لها مرة أخرى وأقرأها من جديد في محاولة لفهم الأعراض جيداً حتى أستطيع الحكم على شخصية آلاء وعندما قرأت هذا الوصف: “كما تبدو إنفعالات مرضى الفصام في أغلب أحيانها متضاربة ومتنافرة،وينقطعون عن أهاليهم وأصحابهم، حتى يبدو وكأنهم قد اعتزلوا الدنيا من حولهم”
أيقنت أنها تحتاج إلى متخصص فشخصية آلاء ليست منعزلة أو إنطوائية، ماعرفته عنها يدل على أنها لها علاقات إجتماعية جيدة..
تخللت أشعة الشمس من النافذة لأجدها تضئ جوانب الغرفة ..
لقد سطعت الشمس وجاء النهار وأنا لم أنم فلن أستطيع الذهاب إلى العمل ..
طرقت نيفين الباب ودخلت:
-صباح الخير يانور ..
-صباح الخير يانيفين..
-نور إنتي مش نازله الشغل ولا إيه ؟
-أنا مانمتش ومش هاقدر أنزل..
-شكلك فعلاً مرهق..بس ليه مانمتيش..
-كنت بفكر..
-في موضوع آلاء ؟؟
-طبعاً، هو أنا عندي غيره..
-عموماً عموماً أنا بعد الأمتحان هاقابل نهى جارة آلاء وهاعرف منها كل حاجة عنها اصل نهى تبقى قريبة رشا صاحبتي..
-تمام جداً أنا نفسي أفهم آلاء وارتاح من الموضوع دا..
-خلاص هانت أنا مش بس هاعرف كل حاجه عنها أنا هاراقبها كمان، إنهارده آخر يوم إمتحانات ودي هاتبقى الحالة بتاعتي..
-بقولك يانيفين إسألي على طبيب نفسي كويس ..
-ليه؟
-لها طبعاً..
-إنتِ فاكرة إنها هاتوافق تروح لدكتور نفسي ..
-وإيه المانع..
-إنها هاتتكشف..
-تتكشف؟؟ إنتِ لسه مصممه إنها كدابة؟
-بنسبة كبيرة جداً لإني لما حكيت لرشا ورشا سألت نهى، نهى قالت لها إن عائلة آلاء أصلاً غير سوية.
-معقول؟
-أنا هاقابلها انهارده واعرف منها كل حاجة ولو حبيتي تكوني معانا هاتصل عليكي نتقابل..
-ياريت يانيفين..
-أنا هامشي عشان متأخرش وإنتي نامي وارتاحي، سلام..
-سلام ..
خرجت نيفين وأنا من شدة إرهاقي لم أدرِ بنفسي وكأني دخلت في غيبوبة نوم..ولم أشعر بأمي عندما دخلت لتطمئن عليّ..
وبعد عدة ساعات استيقظت على صوت الهاتف، إنها نيفين:
نورهان..اصحى وفوقي إنتِ كل دا فين..
-معلش كنت نايمه.. – اسمعيني؛ دي آلاء دي طلعت حكاية هي وأهلها..
-إزاي فهميني..
-لا الموضوع عاوز قعده..
-طيب إنتِ فين؟
-أنا جايه لك وبعدين هانبقى ننزل سوا نروح لنهى بس بليل عشان ارتاح شويه..
-يعني آلاء كدابة ..
-أكتر من كدابة..
-معقولة!!
-مش هاتصدقي لما أقولك…
-هاتقولي إيه ؟؟
-أنا خلاص ربع ساعة وأكون عندك ..سلام..
-متتأخريش..سلام..
جلست حائرة من كلام نيفين..
لماذا الكذب والخداع ؟..
عندما يسقط القناع وترى الحقيقة واضحة لا تتعجب
تمهل في الحكم على نفسك ولا تقل كنت أعمى و أكثر غباء..
هل إبداع الطرف الآخر في الكذب جعلك تصدق خداعه؟
أحياناً يكون ذلك ولكن في الغالب تكون أنت السبب ..
بمعنى أنك تريد ذلك بداخلك رغبة في التصديق ولا تبحث عن الحقيقية ولا تتمهل في الحكم على الأشياء ..
تنظر إلى الأمور من منظور عاطفي . تفكر بقلبك وتنسى عقلك ..
هل تعلمت الدرس ؟
هل فهمت اللعبة؟
هل أيقنت أن هناك من يبكى ولكن دموع وهمية كما قالو دموع التماسيح ؟..
أخيراً جاءت نيفين..
-لم أنتظر حتى تجلس وترتاح..
-نيفين إحكي لي بسرعة .
-اصبري يانور أما اخد نفسي من السلم أنا كنت في إمتحان وطلعت بعد الامتحان روحت لنهى وقعدت مع مامتها..
-من غيري..
-رنيت عليكي كتير ماردتيش..
-كنت نايمه..بس رديت عليكي في الآخر..
-ماتقلاقيش أنا قولت لها إني لازم أخدك ونروح لها عشان تسمعي الكلام بنفسك..بس في حاجه حصلت قدامي..
-إيه هي؟؟
-وأنا خارجه من عند نهى لاقيت آلاء خارجة من عند مامتا بس هي ماأخدتش بالها مني، جالي فضول إني أمشى وراها لأنها ولا تعبانه ولا أي حاجه بالعكس دي كان شكلها حلو جداً..
-وبعدين؟؟
-ركبت تاكسي ومن حسن حظنا إن ريحاب أخت رشا كانت منتظرانا بعربيتها فطبعاً مشينا وراها..
-انجزي يانيفين..
-اسمعيني بهدوء ..
-اتفضلي..
-طبعاً مشينا وراها كتير جداً لحد ما وصلت مكان ونزلت من التاكسي ودخلت عمارة بصراحة دخلنا وراها في البداية كنت فاكرة إنها داخلة مركز للعلاج النفسي لكن المفاجأة …
– إيه انطقي..
-ماطلعش مركز علاج نفسي ..
– طلع إيه؟؟
-مش هاتصدقي حاجه غريبة وعمرك ماسمعتي عنها..
-هي إيه؟؟
-هاقولك…