بلاغة البوح وفنية قص الهيام الطهراني في مجموعة ” رسائل نازفة ” للقاصة السورية هند يوسف خضر

قراءة: عقيل هاشم | كاتب وناقد من العراق

“اسمعيني يا هند”: “سوف نلتقي في طريق عابر على جسر صمم خصيصا للعشاق, شيد بيد مهندس مبدع ألا وهو إله الحب والجمال والرغبة فينوس. إنه جسر أبجدية العشق الأزلي المختبئ بين النبضة والأخرى ..”

تميل الأجناس الأدبية الحديثة “القصة ,الشعر ,المسرح…الخ” إلى الانفتاح بعضها على بعض وإلى الترافد بالعناصر الأساسية المميزة لها فيتزود بعضها من بعض فتتزحزح حدودها وتتحلى بملامح جديدة، في عملية تحول مستمر مع احتفاظها بثوابت وهكذا أصبح تداخل الأجناس الأدبية أمرا واقعا واتجاها فنيا راسخا.
هذه القراءة النقدية تسلط الضوء على تداخل جنس القصة –الشعر مع “فن الرسائل ليكون محاولة تطبيقية للنظر في تداخل الأجناس الأدبية ، في محاولة لمعرفة اتجاه هذا التداخل النصي في المجموعة القصصية “رسائل نازفة “للكاتبة هند خضر والانساق السردية التي تقوم عليها الأجناس .

رسائل ونصوص (رسائل نازفة) للكاتبة “هند خضر” تصنف تلك النصوص ضمن الاتجاه الرومانسي “الهيام الطهراني”، على اعتبار أن الرسائل والنصوص تتمحور حول الذات، ذلك أن النصوص تظافرت مابين فن الرسائل والقصة القصيرة الشعرية التي تم سردها بضمير المتكلم ، أدى العنوان دوراً مهماً في توجيه أفق التوقع، وتحديد نمط جرأة البوح للآخر “الرجل”، وساهم في تشويق القارئ وشدِّه إلى قراءة النصوص ومتابعتها بشغف.

“في الليل يسكت قلمي حبره على صفحات اوراقي كي ابوح لك بخلجات روحي من الاه العميقة التي تاكل عافيتي عندما يبلل غيابك اطرافي ..اعرف انك اقرب الى قلبي من نبضه..”

تقوم مجمل النصوص على الاسترسال الشعري الممتع ,مما جعل الكاتبة تؤثث لمقام التواصل مع الاخر وتتحكم في مستوياتها الحميمية ، وهو ما يجعل القارئ يتفاعل مع تلك النصوص في أرقى نماذجها الشعرية ،
الكاتبة تعمد الى توظيف مجموعة من الألفاظ الشعرية ؛ لتجسد المعنى من خلال انتقائها بدقة وعناية، ونظمها في نسق خاص؛ لتلائم مقتضى الحال، وكأن قدرتها الإيحائية الذي تحمله اللفظة شيء من أسباب اختيار خيال فنان رسم لوحته باتقان والوان زاهية .
وعليه فأنها رسائل تؤشر على مكانة المحبوب في القلب والوجدان والشعور، فهو حضور معنوي يعكس جدلية ثنائية القرب والبعد، الوجود والعدم، الصمت والبوح ، ويرقى بالدلالات إلى معاني العشق الطهراني الذي يسمو بالذات إلى مراقي التأمل في الذات ، بوح من عالم العشق الروح واليقين.
وما يلاحظ ايضا في تلك النصوص هيمنة اسلوب فن الرسائل /القصة الشاعرية ، بمختلف أشكالها مقارنة بالأسلوب القصيدة وما ينسجم ويتناغم مع الحالة النفسية للكاتبة المشحونة بالعاطفة ووجدانية يطبعها الوجد والشوق والحنين والترقب.

وهنا تتجلى الكاتبة كذات موجودة في الواقع، وتجد ملاذها في كتابة الرسائل عبر الحلم والأمل والحنين والتذكر رغبة في التخلص من الواقع المرفوض الذي لا يحقق لها توازنها العاطفي والوجداني ، فلا تملك النفس غير الاحتماء والارتماء في عالم العشق الطهراني, لتثبت وجودها وكينونتها وقيمها النبيلة التي تنشدها وتتمنى تحقيقها على مستوى الواقع.

إن نصوص (رسائل نازفة ) تكتشف بالفعل أن الكاتبة استطاعت في ظل الالتزام الوفي لضوابط القص أن ترسم باقتدار رؤيتها السردية المتفردة وأن تعبر عن تجربتها المميزة وتوصل رسالتها الفنية والجمالية الراقية، وأن تبوح بأسرارها، وتبرز تفوقها كأنثى، وقدرتها على أن تعبر عن شعورها نحو الرجل بمفهومه ودلالاته الرمزية، وأن ترسم بعمق عواطفها وإحساساتها وأن ترفع صوتها معلنة عن بوح شفاف في زمن قلَّ فيه الحب العفيف،

في تجربة الكاتبة نجد ان اسلوب رؤيتها لشاعرية الحكي يتأسس عبر بلاغة البوح لتلك النصوص والتي تختلف باختلاف حضور-غياب الآخر والذي يتمثل للذات الكاتبة، باعتبارها كائنا إنسانيا، والذي يجسدها كأنثى طرفا لا تتحقق اللحظة بدون “الاخر”، وقد يقترن في سياقات متعددة.
اما بالنسبة اللغة ..الكاتبة تمتلك ناصية اللغة فتطاوعها في رسم عوالم السرد وفق الرؤيا الفنية التي تراها ملائمة للقص الذي توَلِّدُه الحكاية ذاتُها والذي يمنحها إمكانات تعبيرية تستقيها من ذخيرتها الفكرية الذي تنم عن تجربة عميقة. بينما الذات تتجلى عبر لغة تصويرية عن متعة العشق من خلال تجلياته الجمالية،

وفي الختام ..نقول يظل الحب عند الكاتبة تحررا وانعتاقا من قيود اليأس بالفقد والتمني رغبة في تحقيق الوصال، ولأنه “طهراني” ظل يتعالى عما هو دنيوي وعابر ويصبو إلى ما هو روحي، تم سرده بأسلوب تصويري شخص تلك الإحاسيس الحميمية اتجاه الاخر .
وان تلك النصوص والرسائل هي بوح شفيف لذات تعاني الشوق وتكاد تذوب هياما ووجدا في الآخَرِ الْممتد في النفس والمخترق لكيانها. وتؤثث صور تحفز القارئ على تتبع مكامن الجمال في الألفاظ الموحية والعبارات الرقيقة في شدو رومانسي جذاب حد اللعنة..

عن دار دلمون للدراسات والنشر في دمشق مجموعتي القصصية الأولى “رسائل نازفة” قدم للمجموعة الكاتب المبدع والصديق محمد حسين.
.

“في الختام بين حقيقة حبه وواقع رحيله اقبع في كنف إلهامي..أعيش على التساؤلات واقف في محطة الانتظار أترقب وصول اجاباته…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى